الصَّـدَقة
 
 

قال الراغب في مفرداته: ((الصّدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزّكاة لكنّ الصّدقة تقال في الأصل للمتطوّع به، والزّكاة للواجب)).

وقال الطبرسي في مجمع البيان: ((الفرق بين الصّدقة والزّكاة أنّ الزّكاة لا تكون إلاّ فرضا، والصّدقة قد تكون فرضا وقد تكون نفلاً)).

ومن ثمّ نرى أنّ الزّكاة لوحظ فيها معنى الوجوب وقصد منها حقّ اللّه في المال، كما لوحظ في الصّدقة التطوّع أي إعطاء المال قربة إلى اللّه تعالى وقد تُلحظ فيها الرّحمة على المعطى له مثل قول إخوة يوسف له: (وتصدّق علينا) (يوسف / 88).

وبما أنّ الزّكاة لوحظ فيها الوجوب أي حقّ اللّه في المال نرى أنّها تشمل أنواع الصدقات الواجبة والخُمْس الواجب وغيرهما من كلّ ما كتب اللّه على الإنسان في المال.

ويشهد لهذا ما جاء في كتاب رسول اللّه عليه الصلاة والسلام لملوك حمير: ((وآتيتم الزّكاة من المغانم خُمس اللّه وسهم النبيّ وصفيّه وما كتب اللّه على المؤمنين من الصّدقة))(3).

فإن لفظ ((من)) بعد الزّكاة لبيان أنواع الزّكاة المذكورة بعدها وهي:

أ ـ من المغانم خُمْس اللّه.

ب ـ سهم النبيّ وصفيّه.

ج ـ ما كتب اللّه على المؤمنين من الصّدقة. أي القسم الواجب من الصّدقة.

***

وهكذا جعل الصّدقة الواجبة قسما واحدا من أقسام الزّكاة. وقد حصر اللّه الصّدقة بالمواضع الثمانية المذكورة في قوله تعالى: (إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرِّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم) (التوبة / 60)، ولم يحصر الزّكاة بمورد ما، بل قرنها بالصّلاة في خمس وعشرين آية من كتابه الكريم، وكلّما قرنت الزّكاة بالصّلاة في كلام اللّه وكلام رسوله قصد منها مطلق حقّ اللّه في المال والذي منه: حقّه في ما بلغ النصاب من النقدين والأنعام والغلاّت أي الصدقات الواجبة، ومنه حقّه في المغانم أي الخُمس، وحقّه في غيرهما.

وإذا قرنت في كلامهما بالخُمس، قصد منها الصّدقات الواجبة خاصّة. وكذلك إذا أضيفت في الكلام إلى أحد موارد أصناف الصّدقة مثل ((زكاة الغنم)) أو ((زكاة النقدين)) قصد منها عند ذاك أيضا صدقاتها الواجبة. ويسمّى العامل على الصّدقة في الحديث والسيرة بالمُصدِّق ولا يقال ((المُزكِّي)) ويقال لمعطي الصّدقة: ((المُتصَدِّق)) ولا يقال المُزكِّي أو المُتزكِّي، و((الصّدقة)) هي التي حُرِّمت على بني هاشم وليست الزّكاة، ولم ينتبه مسلم إلى هذا وكتب في صحيحه ((باب تحريم الزّكاة على رسول اللّه عليه الصلاة والسلام وعلى آله...)) وأورد في الباب ثمانية أحاديث تنصّ على حرمة الصّدقة عليهم وليست الزّكاة كما قال، وعلى هذا فكلّ ما جاء في القرآن الكريم من أمثال قوله تعالى (وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة) فهو أوّلاً أمر بإقامة كلّ ما يسمّى صلاة سواء اليوميّة منها أو صلاة الآيات أو غيرهما. وثانيا أمر بأداء حقّ اللّه في المال سواء حقّه في موارد الصّدقة الواجبة، أو حقّه في موارد الخُمْس أو في غيرهما.

وكذلك المقصود في ما روي عن رسول اللّه أنّه قال: ((إذا أدّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك)) أي أنك إذا أدّيت حقّ اللّه في مالك أي جميع حقوق اللّه في المال فقد قضيت ما عليك، وكذلك ما روي عنه انه قال ((من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول الحول)) أي لا حقّ للّه في ماله. وجاء في أحاديث أئمّة أهل البيت: (وحقّ في الأموال الزّكاة). ولعلّ سبب خفاء ذلك على النّاس، أنّ الخلفاء لمّا أسقطوا الخُمْس بعد رسول اللّه ولم يبق مصداق للزّكاة في ما يعمل به غير الصّدقات، نُسِيَ الخُمْس تدرُّجا، ولم يتبادر إلى الذهن من الزّكاة في العصور الأخيرة غير الصّدقات!

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم