تحريم التنصُّت وتتبُّع الأخطاء والعثرات وسوء الظن
 
 

لكل أسرة أو مجتمع أو فرد أسرار يكره كل واحد اطَّلاع الآخرين عليها، كما أن كل إنسان قد يكون له عيوب وعثرات يتضايق من معرفة الناس بها، وقد يفهم الآخرون خطأً أن فلاناً يرتكب ذنباً أو خطيئة وهو بريء، مما يوجب حسن الظن إلا لضرورة أو تهمةٍ واضحة. كل ذلك ليعيش الناس في أمان واطمئنان وسعادة واستقرار ومحبة وتعاون دون تورُّط في نزاع أو خصومة أو فرقة وهجران، لذا حرَّم الله تعالى إيذاء الآخرين من غير حق، أو التسمُّع لكلامهم أو التجسُّس على أخبارهم وأنشطتهم، وهم يكرهون استماع الغير لهم، لذا قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 49/12] أي: لا تتبعوا زلَّات الآخرين وعيوبهم، وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 33/58].

وأكَّدت السنة النبوية تحريم كل أنواع الإيذاء من إساءة الظن والتباغض والتحاسد والتقاطع والتدابر، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم وأعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم».

دلَّ هذا الحديث الشريف على ضرورة توطيد العلاقات الأخوية بين الناس، وقوة المجتمع، ووجوب صون المسلم عرض أخيه المسلم، وعدم التورُّط في ظلم الآخرين أو احتقارهم أو التكبُّر عليهم أو خذلانهم، وحرمة الدماء والأموال والأعراض. فإذا احترم الناس هذه الآداب عاشوا في محبة وسلام، وإذا أخلّوا بأدب منها سادت الفتن والقلاقل فيما بينهم. والعبرة في صنائع الناس: العمل الحقيقي لا التظاهر بالألفاظ البراقة والكلمات المعسولة، والمظاهر الخادعة من الأجساد والصور والأعمال المزيفة والكلمات اللطيفة.

وما أسوأ تتبُّع عيوب الناس وعوراتهم، فإن ذلك يؤدي بهم إلى الوقوع في المفاسد والإصرار على الفساد والانحراف، روى أبو داود بإسناد صحيح عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن تتبَّعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت تفسدهم» أي: إنك أيها الإنسان إن تعقَّبت عيوب الآخرين بالتجسس والبحث عنها ومحاولة اكتشاف ما يخفونه، أوقعتهم في الفساد، أو قاربت إيقاعهم فيه، وحملهم على تحدي مشاعر الآخرين والإصرار على الشر والفساد.

وكان الصحابة الكرام المثل الأعلى في التزام أوامر دينهم ونواهيه، ولم يتسرعوا باتهام غيرهم، ولم يجيزوا إقامة الحد أو العقوبة المقدرة على الأعمال المصحوبة بالشبهة قبل التأكد من وقوع الذنب أو الجريمة، روى أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه «أنه أُتي برجل، فقيل له: هذا فلان تقطُر لحيته خمراً، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به» وهو حديث حسن صحيح.

وحرَّم الإسلام إساءة الظن بالآخرين من غير عذر أو ضرورة، لما فيه من الاتهام الكاذب، فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 49/12]، ويؤكده حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذبُ الحديث» أي: إن تطبيق الأحكام القضائية مبنية على اليقين لا الظن، والأصل في الإنسان العدالة أو البراءة من التهمة حتى تثبت إدانته.

  • أهم المصادر والمراجع:

-          خلق المسلم: د. وهبة الزحيلي.

-          التفسير المنير: د. وهبة الزحيلي.

-          الجامع لأحكام القرآن: الإمام القرطبي.

-          الآداب الإسلامية : محمد خير فاطمة.

-          الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم