عَسَى و على
 
 

- أولاً:  عَسَى

للترجّي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216].

قال ابن فارس: وتأتي للقرب والدنوّ، كقوله تعالى: ﴿قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل: 72]، قال: وقال الكسائي: كل ما في القرآن من «عسى» على وجه الخبر فهو موحد، نحو: ﴿عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الحجرات: 11]، ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا﴾، ووحّد على «عسى الأمر أن يكون كذا».

وما كان على الاستفهام فهو يجمع، كقوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ [محمد: 22]، قال أبو عبيدة: معناه: هل عدوتم ذلك؟ هل جزْتموه؟

روى البيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كل «عسى» في القرآن فهي واجبة.

وقال الشافعي: يقال: «عسى من الله واجبة».

وحكى ابن الأنباري عن بعض المفسرين أن «عسى» في جميع القرآن واجبة إلا في موضعين في سورة بني إسرائيل:

﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ﴾ [الإسراء: 8] يعني بني النضير، فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة.

وفي سورة التحريم: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ [التحريم: 5]، ولازمْنه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعمّم بعضهم القاعدة وأبطل الاستثناء، لأن تقديره أن يكون على شرط، أي: في وقت من الأوقات، فلما زال الشرط وانقضى الوقت، وجب عليكم العذاب، فعلى هذا لم تخرج عن بابها الذي هو الإيجاب.

وكذلك قوله: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ﴾ [التحريم: 5] تقديره: واجب أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، أي لبتّ طلاقكن، ولم يبت طلاقهن، فلا يجب التبديل.

وقال صاحب «الكشاف» في سورة التحريم: ﴿عَسَى رَبُّهُ﴾ [التحريم: 5] إطماع من الله تعالى لعباده، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بـ «لعلّ» و«عسى»، ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبتّ. والثاني: أن تجيء تعليماً للعباد وجوب الترجيح بين الخوف والرجاء.

- ثانياً: على

للاستعلاء حقيقة، نحو: ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [المؤمنون: 22]؛ أو مجازاً، نحو: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾ [الشعراء: 14]، ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: 253].

وأما قوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: 58] فهي بمعنى الإضافة والإسناد، أي: أضفت توكلي وأسندته إلى الله تعالى؛ لا إلى الاستعلاء؛ فإنها لا تفيده ها هنا.

وللمصاحبة، كقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: 177]، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ [الرعد: 6].

وتأتي للتعليل، نحو: ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: 37] أي: لهدايته إياكم.

قال بعضهم: وإذا ذكرت النعمة في الغالب مع الحمد لم تقترن بـ «على»، نحو: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [الأنعام: 1]، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: 1]، وإذا أريدت النعمة أتى بـ «على»، ففي الحديث: «كان إذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال» ثم أورد هذه الآية.

وأجاب بأنّ العلوّ هنا رفع الصوت بالتكبير.

وتجيء للظرفية، نحو: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15]، ونحو: ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: 102] أي: في ملك سليمان أو في زمن سليمان، أي: زمن ملكه.

ويحتمل أن «تتلو» ضمن معنى «تقول» فتكون بمنزلة ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا﴾ [الحاقة: 44].

وبمعنى «من»، كقوله تعالى: ﴿اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ﴾ [المطففين: 2]. وحمل عليه قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: 107] أي: منهم، وقوله: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾ [مريم: 71] أي: كان الورود حتماً مقضيّاً من ربك.

وبمعنى عند، نحو: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾ [الشعراء: 14] أي: عندي.

والباء، نحو: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ﴾ [الأعراف: 105]، وفي قراءة أبيّ رضي الله عنه: بالباء.

تنبيه:

حيث وردت في حق الله تعالى؛ فإن كانت في جانب الفضل كان معناه الوقوع وتأكيده، كقوله: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: 40]، وقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: 26].

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

- وانظر: معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم: إسماعيل عمايرة وعبدالحميد السيد

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم