عَنْ
 
 

تقتضي مجاوزة ما أضيف إليه نحو غيره وتعدّيه عنه، تقول: «أطعمته عن جوع» أي: أزلت عنه الجوع، و«رميت عن القوس» أي: طرحت السهم عنها. وقولك: «أخذت العلم عن فلان» مجاز، لأن علمه لم ينتقل عنه؛ ووجه المجاز أنك لما تلقّيته منه صار كالمتنقل إليك عن محلّه، وكذلك قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ [النور: 63]، لأنهم إذا خالفوا أمره بعدوا عنه وتجاوزوه.

قال أبو محمد البصريّ: «عن» تستعمل أعمّ من «على»، لأنه يستعمل في الجهات الست، وكذلك وقع موقع «على» في قوله [من الوافر]:

إذا رَضِيَتْ عليّ بنو قُشيرلعمرُ الله أعْجبَني رضاها

ولو قلت: «أطعمته من جوع»، و«كسوته على عري» لم يصح.

وتجيء للبدل، نحو: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ [البقرة: 48].

وللاستعلاء، نحو: ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ﴾ [محمد: 38]، وقوله: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ [ص: 32] أي: قدمته عليه. وقيل: على بابها، أي: منصرفاً عن ذكر ربي.

وحكى الرمانيّ عن أبي عبيدة: أن «أحببت» من أحبّ البعير إحباباً؛ إذا برك فلم يقم، فـ «عن» متعلقة باعتبار معناه التضمني، أي: تثبطت عن ذكر ربي، وعلى هذا فـ «ـحب الخير» مفعول لأجله.

وللتعليل، نحو: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ﴾ [التوبة: 114]، ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ﴾ [هود: 53].

وبمعنى «بعد»، نحو: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون: 40]، ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: 13]، بدليل أن في مكان آخر «من بعد مواضعه». ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19].

وبمعنى «من»، نحو: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: 25]، ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ [الأحقاف: 16]، بدليل: ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ﴾ [المائدة: 27].

وبمعنى «الباء»، نحو: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم: 3]، وقيل: على حقيقتها، أي: وما يصدر قوله عن هوى، وقيل: للمجاوزة؛ لأن نطقه متباعد عن الهوى ومتجاوز عنه.

وفيه نظر، لأنها إذا كانت بمعنى الباء، نفى عنه النطق في حال كونه متلبّساً بالهوى، وهو صحيح، وإذا كانت على بابها نفى عنه التعلّق حال كونه مجاوزاً عن الهوى، فيلزم أن يكون النطق حال كونه متلبساً بالهوى، وهو فاسد.

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

- وانظر: معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم: إسماعيل عمايرة وعبدالحميد السيد

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم