عِنْد
 
 

ظرف مكان بمعنى «لدن» إلا أن «عند» معربة. وكان القياس بناءها لافتقارها إلى ما تضاف إليه كـ «لدن» و«إذْ»، ولكن أعربوا «عند» لأنهم توسّعوا فيها فأوقعوها على ما هو ملك الشخص، حضره أو غاب عنه، بخلاف «لدن»، فإنه لا يقال: «لدن فلان»؛ إلا إذا كان بحضرة القائل، فـ «عند» بهذا الاعتبار أعمّ من «لدن»؛ ويستأنس له بقوله: ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: 65] أي: من العلم الخاص بنا وهو علم الغيب.

وقوله: ﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ [آل عمران: 8]، الظاهر أنها بمعنى «عندك» وكأنها أعم من «لدن» لما ذكرنا، فهي أعم «من بين يدي» لاختصاص هذه بجهة «أمام»؛ فإن من حقيقتها الكون من جهتيْ مسامتة البدن.

وتفيد معنى القرب.

وقد تجيء بمعنى «وراء» و«أمام» إذا تضمنت معنى «قبل» كـ «بين يدي الساعة».

وقد تجيء «وراء» بمعنى «لدى» المضمّن معنى «أمام» كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ﴾ [الكهف: 79]،

﴿مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ﴾ [إبراهيم: 16]، ﴿وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ﴾ [البقرة: 91].

وقوله: ﴿مِن وَرَاء جُدُرٍ﴾ [الحشر: 14] يتناول الحالين بالتضايف.

وقد يطلق لتضمنه معنى الطواعية وترك الاختيار مع المخاطب، كقوله تعالى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: 1] من النهي عن التقديم أو التقدّم على وجه المبادرة بالرأي والقول، أي: لا تقدموا القول أو لا تقدموا بالقول بين يدي قول الله، وعلى هذا يكون المعنى بقوله: ﴿بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أملأ بالمعنى.

وإذا ثبت أنّ «عند» و«لدى» للقرب، فتارةً يكون حقيقياً كقوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى13/عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى14/عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ [النجم: 13__ 15]، ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [يوسف: 25].

وتارة مجازياً، إما قرب المنزلة والزلفى كقوله: ﴿بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ﴾ [الأعراف: 206]، وعلى هذا قيل: الملائكة المقرّبون.

أو قرب التشريف كقوله: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ [التحريم: 11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدّي، كل ذلك عندي» أي: في دائرتي؛ إشارة لأحوال أمته؛ وإلا فقد ثبتت له العصمة.

وتارةً بمعنى الفضل؛ ومنه: ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ﴾ [القصص: 27] أي: من فضلك وإحسانك.

وتارةً يراد به الحكم، كقوله: ﴿فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور: 13]، ﴿وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: 15] أي: في حكمه تعالى.

وقوله: ﴿إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ﴾ [الأنفال: 32] أي: في حكمك، وقيل: بحذف «عند» في الكلام؛ وهي مرادة للإيجاز، كقوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ [البقرة: 147]، ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ [البينة: 2]، ﴿عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن﴾ [مريم: 45] أي: من عند الرحمن؛ لظهور: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ﴾ [المائدة: 15].

وقد تكون «عند» للحضور، نحو: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ﴾ [النمل: 40]، وقد يكون الحضور والقرب معنويين، نحو: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: 40]. ويجوز: وأنزل عندك.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

- وانظر: معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم: إسماعيل عمايرة وعبدالحميد السيد

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم