القاعدة الثانية الحفظ في الصغر كالنَّقْش في الحجر
 
 

إن ذهن الصغير أصفى من ذهن الكبير لقلَّة المشاكل والمشاغل، ولذلك فإن اغتنام فرصة العُمُر في الحفظ صغيراً يعتبر عاملاً مهماً في ثبات القرآن منقوشاً في الذهن:

ففي الحديث أنه r قال: «حِفْظُ الغلام الصَّغير كالنَّقْش في الحجر، وحفظُ الرجل بعدما يكْبَر كالكتاب على الماء».

وروى ابن ماجه بسنده إلى النبي r قال: «من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممَّن أوتى الحُكم صبيَّاً».

وإن من يلقَّن القرآن وهو صغير يختلط القرآن بدمه ولحمه، وذلك لأنه تلقاه في المدة الأولى من العمر والتي يكون العقل فيها في طور النموَّ والتكامل، فالقرآن عندئذٍ يتزامن ثباتُهُ في القلب مع نموَّ هذا الجسد والعقل معاً، فعند ذلك يكون قد اختلط بدمه ولحمه.

روى البخاريُّ في تاريخه الكبير أن النبيَّ قال: «مَنْ تعلَّمَ القرآن وهو فتيُّ السنَّ خلطه الله بلحمه ودمه».

وإن أفضل سنٍّ للحفظ يبدأ من الخامسة في الأغلب، وهناك حالات لأطفالٍ بدؤوا بالحفظ وهم في الرابعة وأفلحوا، وأمَّا من هو دون ذلك فمن الممكن أن يُركَّزَ له على الحروف العربية المقترنة بالصور، وكلما كانت الحروف والصور كبيرة كانت نتيجتها أفضل.

ومن الممكن أيضاً تلقين الطفل في هذه السن بالسَّماع، فإنه يحفظ كل ما يُملى عليه، بشرط أن يكون بالأسلوب الذي يتناسب مع عقله وسنَّه، كطريقة الاستفادة من آلة التسجيل المكرر ، ونحو ذلك.

وأقترح أن يبدأ الأبوان بتلقينه قصار السور وهو ابن ثلاث سنين، ويُكرر ذلك عليه يومياً، ويُطلبُ منه قراءة ما حفظ أمام الآخرين ليتشجع على الحفظ، وليكسِر حاجزَ الخوف والرهبة.

وإن كلَّ واحدٍ منا يلاحظ على الأطفال الصغار أنهم يحفظون من الحكايات والقصص ما يملأ مجلداتٍ، وكلُّ ذلك- ولا شكَّ- يأخذ جزءاً من الذاكرة ويشغلها، فإذا وجَّهنا الطفل إلى حفظ القرآن وهو صغير نكون قد شغلنا ذاكراته بالمفيد الذي يعود عليه بقوة في القراءة والفصاحة وغير ذلك، وتتسع مداركه الذهنية منذ الصغر، وذلك مجرَّبٌ وملموسٌ.

تنبيه: إذا قرأت هذا الكلام وكنت ممن تجاوزتْ بك السن حدَّها، فحذارِ أن تقول: فاتني القطار، فمن كان لديه رغبة في الحفظ، وهمة عالية، فإنه سيحفظ إذا وضع أمام عينيه هدفاً بأنه لا بدَّ أن يحفظ، وإنني لأعرف إخوة حفظوا القرآن كاملاً بعد أن تجاوزوا سنَّ الأربعين.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم