القرآن معجزاته وآياته
 
 

القرآن كتاب المسلمين الإلهي الذي أنزل الله به جبريل على رسوله محمد منذ سنّ الأربعين بليلة القَدْر من شهر رمضان، وأخذ جبريل ينزل به منجماً أو مفرقاً حسب الأحداث والوقائع طوال ثلاثة وعشرين عاماً. ولم يرسله الله للعرب وحدهم، بل أرسله أيضاً لأهل الكتاب والوثنيين في العالم عامة، أما العرب فلنشر تعاليم الإسلام فيهم، وأما أهل الكتاب فلتصحيح عقيدتهم، وأما الوثنيون فللإيمان بالله ووحدانيته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، ووضع لهم جميعاً الكون بسمائه وكواكبه وأرضه بزروعها ليتأملوا في نظامه وسننه ويتدبَّروا قوانينه الكونية، ويلفتهم إلى ما أودع فيه من الجمال والبهاء مما يغذي أرواحهم جميعاً غذاءً جمالياً باهراً.

وقد أودع الله القرآن ما يُصلح به الفرد سلوكه من بر الوالدين والأقارب والأمانة والوفاء وأداء عبادة الله وفروضه الدينية وانتفاعه بنعمة العقل وإبطاله للخرافة والسحر والكهانة، وأخذه بجميع الفضائل. كما أودعه ما يُصلح به حياة الجماعات الإنسانية من الحرية الدينية وما يرتبط بها من التسامح والأخذ بالشورى في الحكم والديمقراطية وبالإخاء الصادق وحقوق المرأة والمساواة التامة، والرحمة بالإنسان والحيوان، وحسن التكافل مع الأفراد والجماعة في السلم والحرب.

ومرت بنا في الفصل الماضي معجزات الرسل وجميعها معجزات حسية تُرى بالبصر، مثل عصا موسى ويده البيضاء ومثل طوفان نوح ونار إبراهيم وبرء عيسى للأبْرص والأعمى. والقرآن ليس معجزة حسية، وإنما هو آيات ومعجزات معنوية من الكلم، وكأنما أراد الله – ولا راد لمشيئته – أن يكون إعجاز القرآن على لسان محمد إعجازاً عقلياً لا يدركه الحس وإنما يدركه العقل كما قال الله لرسوله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ﴾ [التوبة: 6]، من القرآن الكريم، والله بذلك يجعل سماع المشرك للقرآن حجة عليه، وهي حجة تتضمن إعجازه – ويؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ [العنكبوت: 50] آي آيات حسية مثل آيات موسى وعيسى التي كانت تشاهد بالعين المبصرة ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ﴾ [العنكبوت:50] أي الحسية ﴿عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ50/ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: 50-51]، فأنبأ – جل شأنه – أن الكتاب وهو القرآن – تتلى عليهم آياته قائم مقام آيات الرسل السابقين الحسية، وهي آيات عقلية تؤثر في العقل بأوسع مما تؤثر به الآيات الحسية، وكأنما أراد الله أن تكون آيات القرآن المعجزة، الشاهدة على صدق رسالته، عقليةً حتى تخلد على مر الأزمنة إلى يوم القيامة، بينما كانت معجزات الرسل السابقين معجزات حسية انتهت بانتهاء عصورهم فلم يشاهدها إلا من حضروها. أما القرآن فإعجازه مستمر إلى يوم القيامة.

وتحدى الله العرب مراراً بأنهم لا يستطيعون أن يحاكوه أو يقلدوه، وكانوا يقولون للرسول إن ما تتلوه علينا من القرآن حديث مفترى، ودافع الله عنه في سورة هود قائلاً: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ13/ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ﴾ [هود: 13-14] والله –جل شأنه – يتحدى هؤلاء المنكرين إذ يطلب منهم أن يصوغوا على مثاله عشر سور مفتراة، فإن لم يستطيعوا تبين بطلان افترائهم، ثم تحداهم أن يستطيعوا صنع سورة واحدة مفتراة، وليدعوا مَنْ يظنون أنهم يستطيعون ذلك كما جاء في سورة يونس، وباءوا بعجز واضح كما عجزوا إزاء آية سورة هود. ثم تحداهم – عز سلطانه – في سورة البقرة أن يأتوا بسورة واحدة من مثله وأن يدعوا من يستطيع مساعدتهم في ذلك، وأنذرهم إنذاراً شديداً قائلاً: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ23/فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 23- 24].

وكان المشركون حريصين حرصاً شديداً على معارضته، وبينهم شعراء مبدْعون وخطباء بارعون، ولهم القصيد العجيب والرجز المصيب والخطب الطوال والقصار البليغة ولهم الأسجاع والمزدوج والمنثور، وهم من أشد الخلق أنفة وأكثرهم مفاخرة، غير أنهم عجزوا عجزاً تاماً عن أن يأتوا بكلام يماثله أو يشبهه، وسجل الله عجزهم قائلاً: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: 88].

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- معجزات القرآن: د. شوقي ضيف.

- انظر تفسير ان كثير: الإمام ابن كثير.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم