الهجر
 
 

الهَجْرُ والهِجْرَانُ: مفارقة الإنسانِ غيرهُ؛ إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب. قال تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) [النساء:34] كنايةٌ عن عدم قربهنَّ، وقوله تعالى: (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان:30] فهذا هجْرٌ بالقلب، أو بالقلب واللسان. وقوله: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) [المزمل: 10] يحتمل الثلاثة، ومَدْعُوٌّ إلى أنْ يتحرَّى أيَّ الثلاثة إنْ أمكَنهُ مع تحرِّي المجاملة، وكذا قوله تعالى: (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [مريم:46]، وقوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر:5]، فَحَثٌّ على المفارقة بالوجوه كلها. والمهاجرة في الأصل: مُصارمةُ الغير ومُتاركته؛ من قوله عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ) [الأنفال:74]، وقوله: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) [الحشر:8]، وقوله: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ) [النساء:100]، (فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) [النساء:89] فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة، وقيل: مقتضى ذلك هُجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وترْكها ورفضها، وقوله: (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) [العنكبوت:26] أي: تاركٌ لقومي وذاهبٌ إليه. وقوله: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) [النساء:97]، وكذا المجاهدة تقتضي مع العِدى مجاهدة النفس كما رُوي في الخبر: (رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، وهو مجاهدة النفس. وروي: (هاجروا ولا تَهَجَّروا) أي: كونوا من المهاجرين، ولا تتشبَّهوا بهم في القول دون الفعل، والهُجْرُ: الكلام القبيح المهجور لقُبحه.

وفي الحديث: (ولا تقولوا هُجْراً) وأهْجَرَ فلانٌ: إذا أتى بِهُجْرٍ من الكلام عن قصدٍ، وهَجَر المريض: إذا أتى ذلك من غير قصد، وقرئ: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) [المؤمنون:67]، وقد يُشبَّه المُبالِغُ في الهَجْرِ بالمُهْجِرِ، فيقال: أهْجَرَ: إذا قَصَدَ ذلك، قال

كما جِدَةِ الأعراقِ قال ابنُ ضَرَّةٍعليها كلاماً جارَ فيه وَأَهْجَرَا

الشاعر:

ورَمَاهُ بِهَاجِراتِ فمه أي: فَضَائِحِ كلامِهِ، وقوله: فلانٌ هِجِّيراهُ كذا: إذا أَوْلَعَ بذكره، وهَذِيَ به هَذَيانَ المريض المُهْجِرِ، ولا يكاد يُستعمل الهِجِّيرُ إلا في العادة الذميمة اللهم إلا أنْ يستعمله في ضدِّه من لا يُراعي مَوْرِدَ هذه الكلمة عن العَرَبِ. والهجير والهاجرة: الساعة التي يُمتنَعُ فيها من السَّير كالحَرِّ؛ كأنها هَجَرَتِ الناسَ وهُجِرَتْ لذلك، والهِجَارُ: حَبْلٌ يُشَدُّ به الفحلُ فيصير سبباً لهِجرانه الإبلَ، وجُعل على بناء العِقال والزِّمام، وفحلٌ مهجور، أي: مشدود به، وهِجَارُ القوس: وَتَرُهَا، وذلك تشبيهٌ بِهِجَارِ الفحل.

* أهم المصادر والمراجع:

- المفردات في ألفاظ القرآن الكريم: الإمام الراغب الأصفهاني.

- تفسير القرآن العظيم: الإمام ابن كثير.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم