القاعدة الحادية عشرة: الحفظُ البطيءُ الهادئ المحكمُ أفضلُ من السَّريعِ المندفعِ
 
 

إن دور عدسة العين في عمليَّة الحفظ دورٌ مهمٌّ جداً، وإذا اعتبرناها مثل عدسة آلة التصوير، فذلك أقرب تشبيهٍ لها، فكما أن حامل آلة التصوير يحرَّك آلته ببُطٍشديدٍ بين المشاهد التييودُّ التقاط صورٍ لها، ويعتني اعتناءً متميَّزاً بدقَّة يده لالتقاط نوادر الصُّور التي يحتاج إليها.

فكذلك الذي يرغب أن يحفظ صفحة من القرآن: عليه أن يقرأ الآية للمرة الأولى ببطءٍ، ويركَّزَ نظره بدقَّةٍ عليها، ثم يُردَّدَها بلسانه بهدوء ليتمكن من حفظها، وكلَّما كان الحفظُ بطيئاَ هادئاً مركَّزاً كانت النتيجة في المستقبل أفضل.

أما من ينتقل ببصره بسرعةٍ بين الآيات يريد أن ينتهيَ من مقرَّره لذلك اليوم بأيَّ أسلوبٍ، فتراه يقفزُ من أول الصفحة لآخرها ليحفظ كلمةً من هنا وسطراً من هناك، فإن هذا الحفظ سيكون مهزوزاً غيرَ ثابتٍ، سرعان ما يتفلَّتُ بعد مدَّة، ويحتاج صاحبه أن يحفظه مرَّةً أخرى كأنه لم يحفظه من قبل.ٍ

وكثيراً ما كنا نلاحظُ في حلقات التحفيظ طالباً يكلَّف بحفظ صفحة مَّا، فإذا به بعد دقائق يأتي ويزعم أنَّه حفظها، وربما يقرؤها – بالفعل – غيباً بأخطاء قليلة، ولكن على الأستاذ الموجَّه أن يتنَّبهَ إلى الوقت الذي قضاه الطالب في حفظ هذه الصفحة، وأن لا يقبل الحفظ العجلَ الذي فيه بعضُ الأخطاء من باب التسهيل على الطالب.

ولقد ثبت لديَّ من خلال التجربة: أن الآيات التي يحفظها الإنسان بتركيزٍ شديدٍ وببطءٍ وهدوءٍ، ويكرَّرها مراراً – قبل أن يقرَّر في نفسه أنه حفظها – تكون أقوى من غيرها بكثير، حتى أن الحفَّاظَ يُحسُّون من أنفسهم أنهم يتقنون حفظ بعض السور أكثر من غيرها، وما ذلك إلا لأنهم بذلوا جهداً مركَّزاً مبنياً على القواعد السليمة في حفظها.

قال الخطيب البغداديّ: ينبغي له [من يريد الحفظ] أن يتثبت في الأخذ، ولا يُكثر، بل يأخذ قليلاً قليلاً حسب ما يحتمله حفظه، ويقربُ من فهمه؛ فإن الله تعالى يقول:﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا

[الفرقان:32].

* أهم المصادر والمراجع:

- علم التجويد: د. يحيى الغوثاني.

- كيف تقرأ القرآن: د. يحيى غوثاني.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم