قد
 
 

تدخل على الماضي المتصرّف، وعلى المضارع؛ بشرط تجرّده عن الجازم والناصب وحرف التنفيس.

وتأتي لخمس معانٍ: التوقّع، والتقريب، والتقليل، والتكثير، والتحقيق.

* * *

فأمّا التوقع، فهو نقيض «ما» التي للنفي. وتدخل على الفعل المضارع، نحو: «قد يخرج زيد»،تدلّ على أن الخروج متوقّع؛ أي: منتظر. وأمّا مع الماضي فلا يتحقّق الوقوع بمعنى الانتظار؛ لأن الفعل قد وقع، وذلك ينافي كونه منتظراً، ولذلك استشكل بعضهم كونها للتوقّع مع الماضي؛ ولكن معنى التوقّع فيه أن «قد» تدلّ على أنه ك ا ن متوقّعاً منتظراً، ثم صار ماضياً، ولذلك تستعمل في الأشياء المترقبة.

وقال الخليل: إنّ قولك: «قد قعد»، كلام لقوم ينتظرون الخبر. ومنه قول المؤذّن: «قد قامت الصلاة»؛ لأن الجماعة منتظرون.

وظاهر كلام ابن مالك في «تسهيلة» أنها لم تدخل على المتوقّع لإفادة كونه متوقّعاً بل لتقريبه من الحال.انتهى.

ولا يبعد أن يقال: إنها حينئذ تفيد المعنيين.

واعلم أنه ليس من الوجه الابتداء بها إلا أن تكون جواباً لمتوقّع، كقوله تعالى:(قد أفلح المؤمنون) [المؤمنون:1]؛ لأن القوم توقّعوا علم حالهم عند الله.

وكذلك قوله:(قد سمع لله قول التي تجادلك في زوجها) [المجادلة:1]؛ لأنها كانت تتوقّع إجابة الله تعالى لدعائها.

* * *

وأما التقريب، فإنها ترد للدلالة عليه مع لماضي فقط، فتدخل لتقريبه من الحال؛ ولذلك تلزم «قد» مع الماضي إذا وقع حالاً، كقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) [الأنعام:119] وأمّا ما ورد دون «قد»، فقوله تعالى:(هذه بضاعتنا ردت إلينا) [يوسف:65]، فـ«قد» فيه مقدّرة؛ هذا مذهب المبرّد والفراء وغيرهما.

وقيل: لا يقدّر قبله «قد».

وقال ابن عصفور: إن جواب القسم بالماضي المتصرّف المثبت، إن كان قريباً من زمن الحال دخلت عليه «قد واللام»، نحو:«والله لقد قام زيد». وإن كان بعيداً، لم يدخل، نحو:«والله لقام زيد».

وكلام الزمخشريّ يدلّ على أنّ «قد» مع الماضي في جواب القسم للتوقّع، قال في الكشاف عند قوله:(لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه) [في سورة الأعراف:59].

فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون باللام إلا مع «قد»، وقلّ عندهم مثل قوله [من الطويل]:

حلفْتُ لها بالله حِلْفةَ فاجرٍلَنَاموا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ

قلت: إنّما كان كذلك؛ لأنَ الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيداً للجملة المقسم عليها التي هي جوابها؛ فكانت مظنّة لمعنى التوقع؛ الذي هو معنى «قد» عند استماع المخاطب. كلمة القسم.

وقال ابن الخباز: إذا دخلت «قد» على الماضي أثرتْ فيه معنيين: تقريبه من زمن الحال، وجعله خبراً؛ فإذا قلت:«قد ركب الأمير»، فهو كلام لقوم ينظرون حديثك. هذا تفسير الخليل. انتهى.

وظاهره أنّها تفيد المعنيين معاً في الفعل الواحد.

ولا يقال: إن معنى ينافي معنى التوقّع؛ لأنّ المراد به ما تقدّم تفسيره

وكلام الزمخشريّ في «المفصّل» يدلّ على أنّ التقريب لا ينفكّ عن معنى التوقّع.

وأمّا التقليل، فإنها ترد له مع المضارع، إمّا لتقليل وقوع الفعل نحو: « قد يجود البخيل»، و«قد يصدق الكذوب». أو للتقليل لمتعلّق، كقوله تعالى: (قد يعلم ما أنتم عليه) [النور:64]أي: ما هم عليه هو أقلّ معلوماته سبحانه.

وقال الزمخشريّ: هي للتأكيد، وقال: إنّ «قد» إن دخلت على المضارع، كانت بمعنى «ربما»، فوافقت «ربما» في خروجها إلى معنى التكثير؛ والمعنى: إن جميع السموات والأرض مختصًّا به خلقاً وملكاً وعلماً، فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين! وقال في سورة الصف: (لم تؤذونني وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم) [الصف:5]: «قد» معناها التوكيد، كأنه قال: تعلمون علماً يقيناً لا شبهة لكم فيه.

ونصّ ابن مالك على أنها كانت للتقليل صرفت المضارع إلى الماضي.

وقد نازع بعض المتأخرين في أن «قد» تفيد التقليل، مع أنه مشهور، ونصّ عليه الجمهور، فقال: قد تدلّ على توقّع الفعل عمّن أسند إليه، وتقليل المعنى لم يستفيد من «قد» بل لو قيل:«البخيل يجود والكذوب يصدق»، فهم منه التقليل؛ لأنّ الحكم على منْ شأنه البخل بالجواد، وعلى منْ شأنه الكذب بالصدق، إن لم يحمل ذلك على صدور ذلك قليلاً، كان الكلام كذباً؛ لأن آخره يدفع أوّله.

* * *

وأمّا التكثير، فهو معنى غريب؛ وله من التوجيه نصيب وقد ذكره جماعة من المتأخّرين.

وجعل منه الزمخشريّ: (قد نرى تقلب وجهك في السماء) [البقرة:144].

وجعلها غيره للتحقيق.

وقال ابن مالك: إنّ المضارع هنا بمعنى الماضي، أي: قد رأينا.

* * *

وأما التحقيق، فترد لتحقيق وقوع المتعلّق مع المضارع والماضي، لكنه قد يرد والمراد به المضيّ، كما في قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء) [البقرة:144]. (قد نعلم أنّه ليحزنك) [الأنعام:33]. (قد بعلم ما أنتم عليه) [النور:64].

وقال الراغب: إن دخلت على الماضي اجتمعت لكل فعل متجدد، نحو: (قد منَّ الله علينا) [يوسف:90]. (قد كان لكم أيةٌ) [آل عمران:13]. (لقد رضي الله عن المؤمنين) [الفتح:18]. (لقد تاب الله) [التوبة:117].

ولهذا لا تستعمل في أوصاف الله، لا يقال؛ «قد كان الله غفوراً رحيماً».

فأمّا قوله: (أن سيكون منكم مرضى) [المزمل:20]، فهو متأوّل للمرضى في المعنى؛ كما أنّ النفي في قولك: «ما علم زيد يخرج»، هو للخروج، وتقديره: وما يخرج زيد فيما علم الله. وإن دخلت على المضارع فذلك لفعل بكون في حاله، نحو: (قد يعلم الله الذين يتسللون) [النور:63]، أي: قد يتسلّلون فيما علم الله.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الإتقان في علوم القرآن: النووي.

- الجنى الداني: المرادي.

- رصف المباني: المالقي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم