الشمس والأرض في القرآن
 
 

روى الإمام مالك في موطئه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ألا أنبئكم بخير أعمالِكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعِها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تَلْقَوا العدوّ فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟!..» قالوا بلى يا رسول الله، قال: «ذكر الله».

يبدو من خلال هذا الحديث الشريف، أن الذكر له شأن كبير في حياة المؤمن، كيف لا وقد وَرَد الذكر في القرآن الكريم في أكثر من ثلاثمائة آية..

تؤكد هذه الآيات في مجموعها، أن الذكر ينبغي أن يدور مع الإنسان، في كلّ شؤونه وأحواله وأطواره؛ لأنّه عبادة القلب، والفكر، واللسان.. فمن الذكر.. أن تذكر الله في آياته الكونية.. وفي آياته القرآنية، وفي آياته التكوينية، وأن تذكره من خلال نعمه الظاهرة والباطنة، وأن تذكره في أمره ونهيه، وأن تذكره لعباده معرفاً به.. وأن تذكره في قلبك، وعلى لسانك مُسبَّحاً وحامداً، وموحَّداً ومُكبَّراً، وأن تذكر ربوبيته لك فتدعوه وحدَه، في أحوالك كلّها، وأطوارك جميعها، وأن تذكره ذكراً كثيراً؛ ليطمئن قلبك، ولينجلي همّك، ولينشرح صدرك، وليتَّسع رزقك، ولتنصرَ على عدوّك.

فمن الذكر التفكُّر في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، وهذا التفكُّر من أجل أن نعرف الله جل وعلا، وأن نُقَدَّره حقَّ قدره.. قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ190/3الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾ [سورة آل عمران: 190 – 191].

فمن هذه الآيات التي بثَّها الله في الأفاق، التجاذب الحركي فيما بين الكواكب والنجوم.. قال تعالى:

﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [سورة الرعد: 2]، فكلمة «ترونها» تفيد – فيما تفيد – أن الله جل وعلا، رفع السماوات بعمد لا نراها، إنها قوى التجاذب التي تنظم الكون كلّه، بدءاً من الذرَّة وانتهاء بالمجرَّة.. فالشمس مثلاً تَجْذِب إليها الأرض بقوة هائلة، بحيث تجري الأرض في مَسَار مُغلق حول الشمس، ولو انعدم جذب الشمس للأرض، لخرجت الأرض عن مسارها حول الشمس، ولاندفعت في متاهات الفضاء الكوني، حيث الظلمة والتجمد، وبزوالها عن مسارها ( أي انحرافها عنه) تزول الحياة فيها، إذ تصل درجة حرارتها إلى مئتين وسبعين درجة تحت الصفر.. وهي درجة الصفر المطلق التي تنعدم فيه حركة الذرات. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا﴾ [سورة فاطر: 41] ولكي ندرك قوة جذب الشمس للأرض،نفترض أن هذه القوة، انعدمت لسبب أو لآخر، ومن أجل أن تبقى الأرض مرتبطة بالشمس، تجري في مسارٍ حولها، لا بد من أن نربطها إلى الشمس بأعمدة مرئية من الفولاذ، والفولاذ من أمتن المعادن، ومن أعظمها تحمّلاً لِقوى الشد، فالسلك الفولاذي الذي قطره ميلمتر واحد، يتحمل من قوى الشد ما يعادل مائة كيلو غرام، إننا بحاجة إلى مليون مليون حبل فولاذي، طول كل حبل مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وقطر الحبل الواحد خمسة أمتار، والحبل الواحد من هذه الحبال يتحمل من قوى الشدّ، ما يزيد عن مليوني طن، فكم هي قوة جذب الشمس للأرض.. إنها مليونا طن مضروبة بمليون مليون، ثم إذا زرعنا هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس، لفوجئنا أننا أمام غابة من الحبال الفولاذية، بحيث تقلُّ المسافة بين الحبلين عن قطر حبل ثالث، هذه الغابة تحجب عنا أشعة الشمس، وتُعيق كل حركة وبناء ونشاط.. كل هذه القوى الهائلة من أجل أن تحرف الأرض في مسارها حول الشمس ثلاثة ميلمترات كل ثانية.. لقد صدق الله العظيم إذ يقول: ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [سورة الرعد: 2] ويقول أيضاً: ﴿* إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا﴾ [سورة فاطر: 41].

هذه آية من آيات الآفاق، فماذا عن آيات النفس؟؟ قال تعالى: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]. لو أن رجلاً كان يتنزّه في البستان، ولمَحَ فجأة كائناً مؤذياً قاتلاً، فما الذي يحدث في جسمه؟!..

ينطبع خيال هذا الكائن على شبكية العين، إحساساً، وينتقل هذا الإحساس الضوئي إلى المُخّ، فيصبح إدراكاً للخطر، وعندها يأمر المُخ – وهو ملك الجهاز العصبي – الغدة النُخامية – وهي ملكة الجهاز الهرموني – بأن تواجه هذا الخطر!!.. هذه الملكة، تُصدر أمراً لغدة الكظر لكي تعطي الجسم الجاهزية القصوى، لمواجهة الخطر، والكَظَر بدوره يعطي أمراً هرمونياً إلى القلب، ليُسرَّع نبضاته،( فالخائف تزداد ضربات قلبه)، والكظر يعطي أمراً هرمونياً ثانياً، إلى الرئتين، ليتوافق وجيبها مع ازدياد نبضات القلب، (فالخائف يزداد وجيب رئتيه فيلهث)، والكظر يعطي أمراً ثالثاً إلى الأوعية الدموية فتضيق لمعتها، ليتحول الدم إلى العضلات (فالخائف يصفرُّ لونه)، والكظر يعطي أمراً هرمونياً رابعاً إلى الكبد، ليطرح في الدم كمية، من السكر إضافية، والسكر مادة الوقود في العضلات، والكظر يعطي أمراً هرمونياً خامساً، إلى الكبد أيضاً ليزيد من هرمون التجلط منعاً من نزيف الدم. كلّ هذا في ثوان معدودة؟!!..

﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ [سورة لقمان: 11].

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: «مثل الذي يذكر ربّه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت».

البرزخ والحجر بين البحرين

من إعجاز القران العلمي، ما اكتُشِف مؤخَّراً، من أن بين كل بحرين مالحين حاجزاً، تمّ تصويره من سفن الفضاء، هذا الحاجز يمنع مياه كلّ بَحْر من الاختلاط بمياه البحر الآخر، فلا يبغي بحر على بحر، بل يحافظ كلّ بحر على كافة مياهه، ودرجة ملوحته، ونوع مكونته، وهذا الحجز ليس ثابتاً، بل هو متحرك بفعل الرياح، وحركة المدّ والجزر، وحينما اطّلع العالِم المكتِشف – وهو في نشوة اكتشافه هذا – أن في القرآن الكريم، إشارة إلى هذا الكشف العلمي، وهو قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ19/55بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ20/55فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [سورة الرحمن: 19 – 21].

أخذته الدهشة وأعلن إيمانه بالقرآن..

وقد اكتُشِفَ أيضاً أن بين البحرين، المِلْح الأجاج، والعذب الفرات شيئين: حاجزاً يمنع مياه كل بحر من أن تطغى على الآخر، كما هو بين البحرين المالحين، وحاجراً يمنع أسماك المياه المالحة من أن تنتقل إلى المياه العذبة.. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الكشف أيضاً.. وسمى الحاجز الأول برزخاً والثاني حِجْراً.. فقال تعالى: ﴿* وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا﴾ [سورة الفرقان: 53].

أما طبيعة هذين الحاجزين فما زالت موضع الدراسة.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم