القرآن والعقيدة الإسلامية (1)
 
 

القرآن هدىً وبيان، وموعظة وبرهان، ونور وشفاء، وذكر وبلاغ، ووعد ووعيد، وبشرى ونذير. يهدي إلى الحق، وإلى الرشد، وإلى صراط مستقيم. يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، ويحكم بين الناس فيما اختفوا فيه. فيه تِبْيانٌ لكل شيء، وهو شفاء لما في الصدور.

ومما قال فيه صلى الله عليه وسلم: «... كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم،وحكم ما بينكم؛ من ابتغى الهدى في غيره أضلَّهُ الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، لا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَق عن كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجُر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم».

* * *

وهو مصدرٌ رئيسٌ لمعرفة الله عز وجل، فالقرآن كلامه، ومن خلاله نتعرف إلى الله عن طريق التدبُّر. والسماوات والأرض خلقه، ومن خلالهما نتعرف إلى الله عن طريق التفكُّر. والحوادث أفعاله، ومن خلاله نتعرف إلى الله عن طريق النظر والتأمُّل.

* * *

حينما يقتني أحدنا آلة بالغة التعقيد، غالية الثمن، ذات نفع عظيم، تراه حريصاً حرصاً لا حدود له على اقتناء الكُتَيَّبِ، الذي تصدره الجهة الصانعة، والذي يتضمَّن طريقة الاستعمال، وأسلوب الصيانة، فهو حريصٌ على اقتناء هذا الكتيب، حريص على ترجمته وفهمه، وحريص على تنفيذ تعليماته، بدقة بالغة، وهذا الحرص نابع من حرصه على سلامة آلة، وعلى مستوى مردودها.

وهذا الإنسان بجسده، الذي يُعدُّ أعقد آلة في الكون، ففي خلايا هو أنسجته، وفي أعضائه وأجهزته، من الدقة والتعقيد والإتقان، ما يَعْجزُ عن فهم بنيتها وطريقة عملها أعلمُ العلماء. وفي هذا الإنسان نَفْسٌ، تعتلج فيها المشاعر والعواطف، وتصطرع فيها الشهوات والقيم، والحاجات والمبادئ بحيث يَعْجِزُ عن تحليلها وتفسيرها أعلمُ علماء النفس. وفيه عقل يحتوي من المبادئ والمسلّمات والقوى الإدراكية والتحليلية والإبداعية ما أهَّله ليكون سيد المخلوقات.

والآن، ألا يحتاج هذا المخلوق المكرَّم إلى كتاب من خالقه ومربيه، ومدبره ومسيَّره، يُبيّن له فيه الهدف من خلقه، والوسائل الفعّالة التي تحقق هذا الهدف؟... ألا يحتاج هذا المخلوق المُكرَّم إلى كتاب فيه منهج يسير عليه، ويضبط ويصحح حركاته ونشاطاته من الخلل ولخَطَل والعبث؟

ألا يحتاج هذا المخلوق البديع في خلقه إلى كتاب فيه مبادئ سلامته: سلامة جسده من العطب، وسلامة نفسه من التردّي، وسلامة عقله من التعطيل والتزوير...؟ ألا يحتاج هذا المخلوق المكرَّم إلى كتاب فيه مبادئ سعادته فرداً ومجتمعاً في الدنيا والآخرة؟..

أنه القرآن الكريم الذي لا يقلُّ في عظمة إرشاده وتشريعه عن عظمة إيجاد السموات والأرض.. قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [سورة الأنعام: 1]. وقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً﴾ [سورة الكهف: 1].

فكما أن الله يُحمدُ على نعمة إيجاد السماوات والأرض كذلك يُحمد بالقدر نفسه على نعمة الإرشاد.

* * *

الله جل وعلا يشهد للإنسان أن هذا القرآن كلامه، من خلال الأحداث التي يقدرها الله له أو عليه، وعندئذٍ يشهد القرآن للإنسان، أن هذا الذي أُنزل عليه القرآن هو رسول الله، قال تعالى: ﴿لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 166].

دليل أول: قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [سورة النحل: 97].

فإذا آمن الإنسان كما ينبغي، وعمل صالحاً في صدق وإخلاص، أذاقه الله طعم الحياة الطيبة، من طمأنينة، استقرار، وتيسير، وتوفيق، وسعادة، وحُبور، وعندئذ يشعر من خلال الحياة الطيبة، التي ذاقها مصداقاً لوعد الله، وأن الله جل جلاله، شهد له بأن هذا القرآن كلامه، وأن هذه الحياة الطيبة من فعله، قدَّرها له تحقيقاً لوعده، وحينما يتطابق فعل الله مع ما في القرآن؛ يقوم الدليل القطعي على أن القرآن كلام الله.

دليل مقابل: قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [سورة طه: 124].

فمن أعرض عن ذكر الله – وهو القرآن – وهَجَرَه، وجعله وراءه ظِهْرِياً، واستحلَّ محارمه، ولم يعبأ بأَمره ونهيه، ووعده، ووعيده، أذاقه الله طعم المعيشة الضنك من خوف، وقلق، وضيق، وشدة، وتعسير، وإحباط، وشقاء، وضياع، وعندئذٍ يشعر من خلال هذه المعيشة الضَّنْكِ، التي ذاقها مصداقاً لوعيد الله، أن الله شهد له بأن هذا القرآن كلامه، وأن هذه المعيشة الضَّنْكَ من فعل الله قدَّرها عليه تحقيقاً لوعيده.

* * *

العين مهما دقَّتْ صنعتها، ومهما أُحكمت أجزاؤها، ومهما ارتقت وظائفها، لا تستطيع أن تبصر الأشياء، إلا بنور الشمس. والعقل مهما كَبُرَ ورَجح، ومهما تعدَّدت وظائفه، ومهما دقت محاكمته، ومهما نَما إبداعه، لا يستطيع أن يدرك الحقائق إلا بنور الله.. والقرآنُ نور الله.. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ [سورة النساء: 174].

* * *

وحينما يستنير المؤمن بنور الله، فلن يضل عقله، ولن تشقى نفسه..قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ سورة طه: 123].

وكيف يضل امرؤ يقرأ القرآن، والقرآن يقدم له تفسيراً صحيحاً لحقيقة الكون والحياة والإنسان، من عند مكوَّن الأكوان، وواهب الحياة، وخالق الإنسان...

* فالسماوات والأرض خُلقت بالحق، وهو الثبات والسمو، ولم تخلق باطلاً، ولا لعباً؛ وهما الزوال والعبث.

* والسماوات والأرض مسخرة للإنسان، تسخير تعريفٍ، وتكريمٍ من أجل أن يؤمن ويشكر.

* والحياة الدنيا دار ابتلاء، وانقطاعٍ، وعمل، والآخرة دار جزاءٍ، وخلودٍ، وتشريف.

والحياة الدنيا – كما وصفها القرآن – حياةٌ دنيا، وليست عليا، وهي لهو، ولعب، وزينة، وتفاخر، وتكاثر، وجمع، والآخرة خير وأبقى، وهي دار القرار.. قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ60/28أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [سورة القصص: 60 – 61].

* والإنسان لم يُخلق عبثاً ولن يُترك سُدىً، وهو على نفسه بصيرةٌ، ولو ألقى معاذيره.

وإنه المخلوق الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وكرَّمه أعظم تكريم. حمل الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض. وأن الإنسان خُلِقَ ضعيفاً، وخُلق عجولاً، وخُلق هلوعاً، إذا مسَّه الشرُّ جزوعاً، وإذا مسَّه الخير منوعاً، إلا المصلين. وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى، وأنَّ سَعْيَه سوف يُرى، ثم يُجْزاه الجزاءَ الأوفى. وهو يفلح ويفوز إذا أطاع الله ورسوله، وتزكّى وذكر اسم ربه فصلى، ولا ينفعه يوم القيامة مال، ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصَوا بالحق، وتواصَوا بالصبر.

* وكيف يَضِلُّ امرؤ يقرأ القرآن، والقرآنُ يُبين له أنه لا إله إلا الله، وهو غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وأنه في السماء إله وفي الأرض إله، وأنه إليه يرجع الأمر كله، وأنه على كل شيء وكيل، وأنه يحكملا مُعقَّبَ لحكمه، وأنه لا يُشرك في حكمه أحداً، وأنه ما من دابة، إلا هو آخذٌ بناصيتها، وأنه ما يَفْتَح الله للناس من رحمةٍ، فلا مُمسكَ لها، وما يُمسك، فلا مُرسلَ له من بعده، وأنه لا يغير ما بقومٍ، حتى يُغيروا ما بأنفسهم!.

* ومن اهتدى بهدي القرآن لا يضل عقله ولا تشقى نفسه. وكيف تشقى نفسه وتحزن وقد منحه الله نعمة، وهي أثمن ما في الحياة النفسية، ألا وهي نعمة الأمن! تلك النعمة التي عزت على كثير من الناس، فهو حينما آمن بالله وحده، ابتعد عن الشرك، الجليَّ والخفي، وحينما ابتعد عن الشرك ابتعد عنه العذاب النفسي، قال تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ [سورة الشعراء: 213].

وحينما آمن بالله وحده، وأن الأمر كلَّه راجع إليه؛ حمله إيمانه هذا على طاعته وترك الإساءة إلى خلقه، عندئذٍ استحق نعمة الأمن. قال تعالى: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ81/6الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام: 81 – 82].

* وكيف تشقى نفس قارئ القرآن وتحزن وهي تتلو قوله تعالى: ﴿أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ [سورة الجاثية: 21].

وهل من طمأنينة تنعم بها النفس، أعظمُ من أن يؤكد لك خالق الكون، أنه لن يضع عليك إيمانك، ولا عملك الصالح، وأنه لن تكون حياتك، كحياة عامة الناس الذين أعرضوا عن ذكر ربهم، فاجترحوا السيئات وتاهوا في الظلمات؟.

* وكيف تشقى نفس قارئ القرآن وتحزن وهي تتلو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ30/41نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ31/41نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾ [سورة فصلت: 30 – 32].

وهل من شعور، أشد تدميراً للنفس من الخوف؟ فأنت من خوف المرض في المرض، وأنت من خوف الفقر في فقر، وتوقُّعُ المصيبة مصيبةٌ أكبر منها. وهل من شعور أشد رَضّاً للنفس من الندم والحزن على ما فات؟ فحينما يُفاجأ الإنسان بدنو الأجل يُصعق ويقول: يا حسرتا على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ الله، ويا ليتني قدمتُ لحياتي، ويا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً.

لكن القرآن يُطمئن المؤمنين، الذين آمنوا بالله، واستقاموا على أمره، بأن لا خوف عليهم في الدنيا، لأن الله هو وليُّهم وناصرهم، ويدافع عنهم، ويهديهم سواء السبيل؛ ولا هم يحزنون على فراقها، لأن المؤمن ينتقل بالموت،من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، كما ينتقل الوليد، من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا..

وكيف يعقد المؤمن عن استرداد حقه المغتصب والله تعالى يقول: ﴿وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [سورة المائدة: 12].

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ [سورة الأنفال: 10].

﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾ [سورة آل عمران: 160].

﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [سورة محمد: 7].

وكيف يعقد المؤمن عن استرداد حقه المغتصب والله عز وجل يخاطب المؤمنين الصادقين في كتابه: ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ [سورة الأنفال: 65].

﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [سورة النساء: 104].

* * *

ذكر الحافظ محمد بن نصر المروزي، في جزء قيام الليل، عن الأحنف بن قيس، أنه كان يوماً جالساً، فعرضت له هذه الآية: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [سورة الأنبياء: 10].

فانتبه، فقال: عليَّ بالمصحف، لألتمس ذكري اليوم، حتى أعلم من أنا، ومن أشبه؟..

يعني أنه لما علم، أن القرآن، قد ذكر جميع صفات البشر، وبيَّن طبقاتهم ومراتبهم أراد أن يبحث عن نفسه، في أيَّ الطبقات، وفي أي المراتب هو؟.. فنشر المصحف وقرأ فمرَّ بقوم:

﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ17/51وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 18/51وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [سورة الذاريات: 17 – 19].

ومرَّ بقوم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [سورة السجدة: 16].

ومرَّ بقوم: ﴿يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وقِيَاماً﴾ [سورة الفرقان: 64].

ومرَّ بقوم: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة آل عمران: 134].

ومرَّ بقوم: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [سورة الحشر: 9].

فوقف الأخنف ثم قال: اللهم لست أعرف نفسي ها هنا.. أي لم يجد هذه الصفات في نفسه، حتى يَعُد نفسه من هؤلاء.. ثم أخذ الأحنف السبيل الآخر، فمرَّ بالمصحف على قوم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [سورة الصافات: 35]. ومرَّ على قوم يُسألون: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ42/74قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ43/74وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ44/74وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ45/74وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ46/74حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [سورة المدثر: 42 – 47] فوقف الأحنف وقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء، فما زال يقلَّب ورق المصحف، ويلتمس في أي الطبقات هو، حتى وقع على هذه الآية: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة التوبة: 102] فقال: أنا من هؤلاء.. – ولعله قالها تواضعاً.. – فإذا قرأ أحدنا القرآن فلينظر موضع نفسه في كتاب الله..

* * *

* المصدر:

نظرات في الإسلام: د. محمد راتب النابلسي

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم