اليهود يفسدون في الأرض
 
 

اليهود مفسدون في الأرض، كل الأرض، وهذه هي أبرز سمة من سمات تاريخهم كلّه، القديم منه والوسيط والمعاصر. هم أكثر أهل الأرض رغبة في الفساد وحرصاً عليه، وهم يسبقون باقي الأمم فيه، وهم قدوة للآخرين الراغبين فيه.

والفساد في الأرض ملازم لليهود منذ أيامهم الأولى مع نبيهم موسى عليه السلام، فها هو ذا قارون الذي كان من قوم موسى، كان مفسداً في الأرض، استخدم ما منحه الله من المال ووهبه من العلم للإفساد، ونصحه الصالحون من قومه بعدم الإفساد والفساد فلم ينتصح: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ 76/28وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ77/28قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص: 76- 78].

وموسى عليه السلام يعلم- من خلال تجربته مع بني إسرائيل وخبرته فيهم- تمكن الإفساد في قلوب يهود ورغبتهم فيه، ولهذا كان دائماً يحذَّرهم منه.

فلما استسقى لقومه وضرب بعصاه الحجر وانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، وعلمت كل قبيلة منهم العين الخاصة بها التي يشربون منها، أمرهم موسى عليه السلام بالأكل والشرب ونهاهم عن الإفساد، فقال لهم: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].

ولما توجه موسى عليه السلام إلى الطُور لمناجاة الله، وجعل مكانه أخاه هارون عليه السلام لقيادة بني إسرائيل، نبَّهه إلى إفسادهم وتمكن هذا الخلق فيهم، ودعاهم إلى ملاحظة ذلك، ونهاه عن اتباع المفسدين، فقال له: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142].

وقد أطلعنا القرآن على تمكن الفساد في يهود، وعلى حرصهم على الإفساد في الأرض في آيتين من آياته:

الأولى قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 4].

وهاتان المرتان من باب التمثيل وليس من باب الحصر، وإلا فكل تاريخ يهود هو فساد وقتل وتخريب وتدمير، وأولى المرتين: هي إفسادهم في المدينة وما حولها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قضى هو وصحابته- عليه الرضوان- على هذا الإفساد، وثانيتهما: هي إفساد يهود في الأرض المقدسة في هذا الزمان حيث يعلم إفسادهم كل إنسان، ويراه كل ذي عينين.

الثانية هي قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

وهذه الآية تصلح أن تكون عنواناً لتاريخ اليهود كله، وتحقق الإفساد فيه بكل ألوانه ونماذجه.

عند اليهود رغبة عميقة في الإفساد، وعندهم نهم بالغ للحروب التي تحقق هذا الإفساد، وعندهم حرص ومكر ودهاء وخبث في التخطيط لها وإشعالها وتهيئة وقودها- وهم غير يهود طبعاً-، وهذا كله نأخذه من «كلما» التي تفيد استمرار الرغبة، وتكرار المحاولة، وتجدّد السعي والمكر والخبث والإيقاد للحرب، وهم الذين يسعون في الأرض، لكن لا يسعون فيها إصلاحاً وتعميراً وتزكية وتطهيراً، لأنهم لا يعرفون هذه المعاني، وإنما يسعون فيها فساداً وتخريباً وتدميراً.

وصدق الله العظيم، فمعظم الحروب في العالم – وبخاصة الحروب العظمى المعاصرة – خطط لها يهود، وأوقد لها يهود، وأشعلها اليهود، لينشروا الفساد في الأرض، ويحققوا أهدافهم على حطام البشرية وضحاياها وجماجمها وأشلائها ومشوهيها.

اليهود يوقدون الحروب، ويشعلون نارها، والذي يوقدها لا يحترق، وإنما يقدم لها الوقود فقط، وصدق الله فإن يهود لا يخسرون من الضحايا في الحروب ما يذكر، وإنما الخسارة للشعوب الساذجة، والوقود هم أبناء تلك الشعوب ومواردها وأموالها ووجودها.

اليهود يصدُّون عن سبيل الله

ترك اليهود سبيل الله المستقيم، وآثروا أن يسيروا في طريق الشيطان، وأن يكونوا جنوده ورجاله وأولياءه.

ثم ارتكبوا جريمة أفظع حيث صاروا أعداء لسبيل الله محاربين لها، ومشوهين لمعالمها، ومنفَّرين من سلوكها، داعين الناس لتجنبها وتركها، فأصبحوا يصدون عن سبيل الله، ويستخدمون كل ما يملكون لهذا الصد.

قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ98/3قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: 98- 99].

وتسجل الآيتان هاتين الخطوتين المرتبطتين تماماً، وترتبهما ترتيباً مناسباً، فهم كفروا بآيات الله أولاً، ثم قاموا بالخطوة الثانية وهي الصد عن سبيل الله وصرف المسلمين عنها، وهذه من ثمار الكفر والانحراف.

أما قوله: ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ فهي تقرر رغبة يهود في اعوجاج طريق الله، وتلهُّف نفوسهم الكافرة على تحقيق هذا، وابتغائهم لها – والابتغاء حالة نفسية ملحوظة – وأن هذه هي حالتهم هي حالتهم، وهذا هو واقعهم، فهم يصدون عن سبيل الله وحالهم هو ابتغاء اعوجاجها، لأن ﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ في محل نصب على الحال.

وهذا الصد عن سبيل الله ليس خاصاً بقوم من اليهود، ولكنه شامل لهم كلهم، ولم يسلم منه أحبارهم ورهبانهم، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ [التوبة: 34].

والأصل في الأحبار هو نصرة الحق لا خذلانه، والدعوة إلى الاستقامة لا الاعوجاج، وقيادة الآخرين في سبيل الله لا صدهم عنها، لكنهم أحبار اليهود. وهذه أخلاق اليهود.

وبذل اليهود كل ما في وسعهم لمحاربة الإسلام – باعتباره السبيل الوحيد لله – وما زالوا يبذلون، وصدُّوا عنه بكل ما يملكون وما زالوا يصدُّون، وحاربوا رجاله ودعاته وما زالوا يحاربون، وقد فشلوا في السابق في تحقيق آمالهم الشيطانية وبإذن الله سيفشلون.

 

  • المصدر:

-          الشخصية اليهودية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

-          تفسير القرآن العظيم: الإمام ابن كثير.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم