اليهود يسارعون في الإثم والعدوان
 
 

من طبيعة اليهود التي لا تتغير، وسماتهم التي لا تتخلَّف، وخلقهم الذي لا يتبدل، أنهم يسارعون في الكفر وفي الإثم والعدوان، وفي قول الإثم وأكل السحت، وفي القول الباطل والفعل الفاجر.

وقد أشارت آيات من القرآن إلى هذا:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: 41].

الذين يسارعون في الكفر فريقان: اليهود، وعملاؤهم من المنافقين الذين زعموا الإيمان. لقد اقتدى المنافقون باليهود في هذا الخلق الذميم، فصاروا مثلهم يسارعون في الكفر والباطل والإثم والعدوان.

وفعل «يسارعون» يدل على الحرص على الكفر والإثم والعدوان، والرغبة فيها، والاهتمام عليها، والإسراع للوصول إليها، والمسارعة في التحقق بها والحصول عليها. «يسارعون» أبلغ من «يسرعون» وأوضح منها في تصوير فعل اليهود في الإقبال على الكفر والباطل –لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى –والألف في يسارعون توحي بهذه المعاني،وتلقي هذه الظلال، وتقدَّم هذه الإيحاءات.

قال تعالى في المسارعة اليهود: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ62/5لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: 62- 63].

المسارعة اليهودية هنا في الإثم والعدوان وأكل السحت، وهي ثلاث مراحل أو خطوات: فعندما يرتكبون المنكر والباطل يقعون في الإثم أولاً، ثم يعتدون على الأخرين ثانياً، ومن مظاهر هذا أكلهم السحت «وهو الحرام».

إن المسارعة اليهودية في هذا دليلٌ على تغلغل الانحراف في قلوبهم وسيطرته على كيانهم، وتوجيه لاختياراتهم وأعمالهم وخطواتهم وسيرهم وحركتهم.

الإنسان السوي المستقيم لا يحب الإثم والعدوان والباطل، ولا يفكر فيه، وإذا ورد على فكره أو خياله طرده وأبعده. والإنسان السوي لا يسير باختياره ورغبته وقدميه إلى الباطل، وإذا زلَّ ووقع فيه فإنما يسير إليه بقدمين متعثرتين، وخطوات متثاقلة، وشعور متعب، وكيان متصارع، لا أن يسير إليه راغباً، ويسارع فيه مسارعة.

والعجيب أن أحبار يهود لم يحاولوا الوقوف في وجه يهود، وإيقاف مسارعتهم المجنونة، ولكنهم دعوهم إليها، وقدَّموا لهم التبريرات والحيل لمضاعفة الرغبة فيها، وسارعوا خطواتهم إليها، ومسارعتهم نحوها، لأن هؤلاء الأحبار المارقين كانوا أكثر انحرافاً من عامة يهود، وأشد منهم رغبة في المسارعة إليه.

إن الفساد والانحراف، والمسارعة في الكفر والإثم والعدوان، قد شملت كل يهود، ووصلت إلى كل فئاتهم وطبقاتهم، حتى الفئة التي يظن فيها حماية الحق ونشر الرسالة ومواجهة الباطل وإصلاح الانحراف.

وهذه يهود في تاريخها كله، ومن كل فئاتها ورجالها، مسارعة في الكفر والكذب والإثم والعدوان.

ويهود قدوة لعملائهم في هذه المسارعة المجنونة، لذلك يَقْدِم هؤلاء العملاء والأذناب على يهود، ويسارعون فيهم وفي موالاتهم ونصرتهم والتحالف معهم، قال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾ [البقرة: 52].

وتدلنا الآية على سبب مسارعة العملاء في مولاة يهود والتحالف معهم، وإنه المرض والانحراف الذي دخل قلوب هؤلاء فأخرج منها الإيمان والاستعلاء والرجولة والعزة، وأحل فيها المسارعة في موالاة يهود، والاقتداء في مسارعتهم الباطلة في الكفر والإثم والعدوان، وهذا ما نلمحه في زماننا من أعوان يهود وعملائهم، وما نراه في أشخاصهم وأعمالهم.

اليهود يكتمون الشهادة والحق

إنهم أهل كتاب سابق، أخبرهم الله فيه برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبشرّهم بنبوته، وطالبهم بالإيمان به، وأخذ عليهم العهود والمواثيق، وجعلهم الله شهوداً على صدق نبوته ورسالته، وطالبهم بأداء هذه الشهادة عند الكافرين والمشركين لتكون هذه الشهادة إقناعاً لأولئك وسبباً في إسلامهم.

لكن ماذا فعل يهود عندما ظهر محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؟ هل أدَّوا الشهادة التي استشهدهم الله عليها؟ وكيف كان أداؤهم لها؟.

لقد استيقظ فيهم الشيطان اليهودي الملعون، وأفرز فيهم أخلاقاً شيطانية قبيحة، انطلقوا منها في نظرتهم للرسول الجديد، وموقفهم من دينه الجديد.

لقد كانوا أول كافر به، ولقد أعلنوا عليه الحرب، وواجهوه بالعداء منذ اليوم الأول لرسالته. لقد أنكروا تبشير أنبيائهم به، وأخفَوا البشارات التي في التوراة عنه، ولقد كتموا الشهادة بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم اليقيني بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعندما استشهدهم المشركون على رسالته أنكروا أن يكون رسول الله، بل انتقلوا إلى مرحلة أسوأ وخطوة أوقح، عندما زعموا أن المشركين أقرب إلى الله من المسلمين، وأهدى من المسلمين، ويحبهم الله أكثر من المسلمين!!.

سجلت عليهم آيات من القرآن كتمانهم للشهادة التي طولبوا بأدائها.

منها قوله تعالى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ﴾ [البقرة: 140].

وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 42].

وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146].

وقال تعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: 187].

  • المصدر:

-          الشخصية اليهودية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

-          تفسير القرآن العظيم: الإمام ابن كثير.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم