اليهود يحرصون على الحياة
 
 

وهذا خلق آخر ذميم عند اليهود، مرتبط بسلسلة رذائلهم وقبائحهم الأخلاقية الأخرى، وله صلة وثيقة بالجبن والذل والمسكنة، إنه الحرص على الحياة، والتهالك عليها، والرغبة فيها.

قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 96].

يهود حريصون على الحياة، ولو كانت أية حياة، المهم أن يعيشوا حياتهم والسلام، ولا يهمهم أن تكون حياة عزيزة أو حياة ذليلة، حياة رجال أو حياة أشباه الرجال، حياة بشر أو حياة حشرات وحيوانات. بل إنهم يفضلون الحياة الثانية - الممزوجة بالذل والجبن - على الحياة الأولى العزيزة الكريمة، لأن حياة العزة والكرامة تحتاج إلى مواصفات خاصة لا توجد عند يهود، وإلى رجال مخصوصين لا يكونون من بين يهود، وإلى ضريبة باهظة يجبن عن دفعها يهود، وعلى ثمن مرتفع يبخل عن بذله يهود!!.

هم يكتفون من الحياة بظاهرها وقشورها، أليسوا يأكلون ويشربون؟ - مثل الأنعام - أليسوا يتنفسون ويتحركون؟- مثل الدواب - أليسوا ينامون ويستيقظون؟ - مثل الحيوانات - أليسوا يمارسون حياتهم بحيوانية وشهوانية؟ - مثل البهائم - إذن هم يعيشون الحياة المطلوبة، هم أسعد الناس في هذه الحياة.

إنها حياة بمقاس يهود، وليست بمقياس الرجال الأعزة، وإنها حياة تليق بيهود ولا تليق بالرجال الأعزة. وإنه لا يُعجب بهذه الحياة ولا يقبل بها ولا يحرص عليها إلا من كانت له مثل شخصية يهود ونفسيتهم وأخلاقهم.

هذه كلها بعض ما يوحي بها تنكير كلمة«حياة» في قوله: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ ذلك التنكير الذي يحوي الكثير من التهوين والتحقير.

وحياة يهود في تاريخهم كله لا تخرج عن هذا التنكير والتهوين والتحقير والإذلال.

يهود ينقضون العهود والمواثيق

لن تجد قوماً مثل يهود في الاستخفاف بالعهود والمواثيق، وفي عدم مراعاتها أو الالتزام بها، وفي جرأتهم عليها والقيام بنقضها وإبطالها وإلغائها.

ويقتدي آخرون بيهود في هذا الخلق الذميم فيتجرأون على العهود وينقضونها، سواء ما كان بينهم وبين الله، أو بينهم وبين أنبيائهم، أو بينهم وبين الآخرين.

وقد أشار القرآن إلى نماذج من العهود والمواثيق التي أُخذت على يهود، ومع ذلك نقضوها.

أما المواثيق فهذه نماذج منه:

1- قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ83/2وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ84/2ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 83- 85].

2- وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ63/2ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [البقرة: 63-64].

3- وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: 93].

4- وقال تعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: 187].

5- وقال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا154/4فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا َيُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [البقرة: 154- 155].

6- وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ12/5فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: 12-13].

7- وقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة:70].

8- وقال تعالى:﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف:169].

* * *

هذه ثماني مجموعات من الآيات تتحدث عن ميثاق الله الذي أخذه على اليهود، وعن جرأة يهود عليه ونقضه، وعرضناها كما هي أمام القارئ، ولم نتحدث عمّاَ فيها من دلالات ولطائف وحقائق، رغبة منا في الاختصار، وإحالة على ذهن القارئ وتدبره.

وكلمة «ميثاق» ومشتقاتها- موثق، موثقهم، وميثاقكم، ميثاقهم- ذكرت في القرآن ثمانياً وعشرين مرة تتحدث عن ميثاق الله المأخوذ على اليهود وتسجل عليهم نقضهم له.

وهذه ظاهرة تلفت النظر، وتشير إلى تمكُّن هذا الخلق الغادر الجبان في اليهود.

أما ما أشار إليه القرآن عن العهد المأخوذ على اليهود فنكتفي منه بهذه الآيات: لقد ذكَّرهم الله بعهده عليهم في أول قصتهم وروداً في القرآن- على حسب ترتيب المصحف-، فقال تعالى:﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40].

ولكنهم لم يلتزموا بهذا الشرط، ولم يوفوا بعهد الله، وإنما نقضوه كما نقضوا كل المواثيق والعهود الأخرى.

﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ58/2فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: 58-59].

وهناك آية عجيبة في القرآن تشير إلى تأصل هذا الخلق الذميم في النفسية اليهودية المريضة، وتمكنه من الشخصية اليهودية المحرَّفة، واستمراره طيلة المسيرة اليهودية الحاقدة الناقضة الناكثة للعهود والمواثيق.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ99/2أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ100/2وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 99-101].

والذي يلفت النظر في الآية كلمة «كلما» وهي تدل على أن نقض العهد عملية متكررة عند يهود، ، فكل عهد يعقدونه يقومون بنقضه، مهما كان الطرف الآخر الذي عقدوه معه. لأن كلما حرف يفيد التكرار والاستمرار، ويدل على تحقق وتوفر وجود جوابها عند وجود شرطها- كلما حرف شرط، وفعلها في الآية ﴿عَاهَدُواْ عَهْداً﴾ -فيتكرر وجود الجواب بتكرار وجود الفعل.

والعجيب في الآية أنها تدلنا على خبث ومكر اليهود في نقض العهود، فعندنا يعقدون عهداً لا يقومون جميعاً بنقضه وإنما ينقضه فريق منهم، والآخرون قد يتبرأون من هذا الفريق وقد يعلنون معارضتهم لفعله، مع أنهم هم الذين رتَّبوا الأدوار، وأوحَوا للناقض بذلك. إنه مكر يهودي حاقد واضح في تاريخ يهود.

  • المصدر:

-          الشخصية اليهودية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

-          تفسير القرآن العظيم: الإمام ابن كثير.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم