لمّا
 
 

على ثلاثة أوجه:

أحدها: تدخل على المضارع، فتجزمه وتقلبه ماضياً، كـ«لك»، نحو: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ [آل عمران: 142]، ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص:8]، أي: لم يذقوه: ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم﴾ [البقرة: 214].

لكنّها تفارق «لم» من جهات:

أحدها: أنّ «لم» لنفي «فعل»، و«لمّا» لنفي «قد فعل»، فالمنفيّ بها آكد. قال الزمخشريّ في «الفائق»: «لمّا» مركّبة من «لم» و«ما» هي نقيضة «قد» وتنفي ما تثبته من الخبر المنتظر.

وهذا أخذه من أبي الفتح، فإنه قال: أصل «لمّا»: «لم» زيدت عليها «ما»، فصارت نفياً، تقول: «قام زيد»، فيقول المجيب بالنفي: «لم يقم»؛ فإن قلت:«قد قام»، قال: «لمّا يقمْ»؛ لما زاد في الإثبات «قد» زاد في النفي «ما»، إلّا أنهم لما ركّبوا «لم» مع «ما» حدث لها معنى ولفظ، أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفاً، فقالوا: «لمّا قمت قام زيد»، أي وقت قيامك قام زيد. وأما اللفظ، فلأنه يجوز الوقف عليها دون مجزومها، نحو: «جئتك ولمّا». أي: ولمّا تجئْ. انتهى.

ويخرج من كلامه ثلاثة فروق: ما ذكرناه أولاً، وكونها قد تقع اسماً هو ظرف، وأنه يجوز الوقف عليها دون المنفيّ، بخلاف «لم».

ورابعها: يجيء اتصال منفِّيها بالحال، والمنفيّ بـ«لمْ» لا يلزم فيه ذلك، بل قد يكون منقطعاً، نحو: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1]، وقد يكون متصلاً، نحو: ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾[مريم: 4].

وخامسها: أنّ الفعل بعد «لمّا» يجوز حذفه اختياراً.

سادسها: أنّ «لم» تصاحب أدوات الشرط، بخلاف، «لما» فلا يقال: «إنّ لمّا يقم»، وفي التنزيل: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ﴾ [المائدة: 67]، ﴿وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ﴾ [المائدة: 73].

سابعها: أن منفيّ «لمّا» متوقّع ثبوته، بخلاف منفيّ «لم»، ألا ترى أن معنى: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص:8]؛ أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأنّ ذوقهم له متوقع.

قال الزمخشريّ في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14]: ما في «لمّا» من معنى التوقّع دالّ على هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.

وأنكر الشيخ أبو حيان دلالة «لمّا» على التوقّع، فكيف يتوهّم أنه يقع بعد.

وأجاب بعضهم بأن «لما» ليست لنفي المتوقّع حيث يُسْتَبْعد توقعه؛ وإنّما هي لنفي الفعل المتوقّع؛ كما أن «قد» لإثبات الفعل المتوقّع؛ وهذا معنى قول النحويين: إنها موافقة لـ«قد فعل»: أي: يجاب بها في النفي حيث يجاب بـ«قد» في الإثبات؛ ولهذا قال ابن السرّاج: جاءت «لمّا»، بعد فعل، يقول القائل: «لما يفعل»، فتقول: «قد فعل».

* * *

الوجه الثاني: أن تدخل على ماض؛ فهي حرف وجود لوجود، أو وجوب لوجوب فيقتضي وقوع الأمرين جميعاً؛ عكس «لو»، نحو: «لمّا جاءني زيد أكرمته».

وقال ابن السرّاج والفارسيّ: ظرف بمعنى «حين».

وردّه ابن عصفور بقوله: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف: 59]. قال: لأن الهلاك لم يقع حين ظلموا؛ بل كان بيْن الظلم والهلاك إرسال الرسل وإنذارهم إياهم؛ وبعد ذلك وقع الإهلاك، فليست بمعنى «حين»؛ وهذا الردّ لا يحسن إلّا إذا قدرنا الإهلاك أول ما ابتدأ الظلم؛ وليس كذلك، بل قوله: ﴿ظَلَمُوا﴾ في معنى «استداموا الظلم»، أي : وقع الإهلاك لهم حين ظلمهم؛ أي: في حين استدامتهم الظلم، وهم متلبّسون به.

ومن أمثلتها قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾ [الإسراء: 67]، وقوله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ﴾ [القصص: 23]، ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾ [هود:77]، ﴿إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ﴾ [يونس:98]، ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ [الأنبياء:12].

وأما جوابها فقد يجيء ظاهراً كما ذكرنا، قد يكون جملة اسمية مقرونة بالفاء؛ نحو: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ [لقمان:32]، أو مقرونة بـ «ما» النافية، كقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ﴾ [فاطر: 42]، وبـ«إذا» المفاجئة، نحو: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ ، ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ [الزخرف: 50]، ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: 65]، ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ [الزخرف: 50].

وبهذا ردّ على من زعم أنها ظرف بمعنى «حين»، فإنّ «ما» النافية «وإذا» الفجائية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ فانتفى أن يكون ظرفاً.

وقد يكون مضارعاً، كقوله: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا﴾ [هود: 74]، وهو بمعنى الماضي، أي: جادلنا.

وقد يحذف، كقوله: ﴿فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ [لقمان:32]، قال بعضهم: التقدير: انقسموا قسمين: منهم مقتصد، ومنهم غير ذلك، لكن الحقّ أن ﴿مُّقْتَصِدٌ﴾ هو الجواب؛ هو الذي ذكره ابن مالك، ونوزع في ذلك من جهة أن خبرها مقرون بالفاء يحتاج لدليل.

وقوله: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ [هود: 80]، جوابه محذوف؛ أي: لمنعتكم.

أما قوله عز وجل: ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ﴾ [البقرة: 89].

قيل: جواب «لما» الأولى «لما» الثانية وجوابها، ورد باقترانه.

وقيل: ﴿كَفَرُواْ بِهِ﴾ جواب لهما؛ لأن الثانية تكرير للأولى. وقيل: جواب الأولى محذوف، أي: أنكروه.

واختلف في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ﴾ [البقرة:17]، فقيل: الجواب ﴿ذَهَبَ اللّهُ﴾.

وقيل: محذوف استطالة للكلام مع أمن اللبس، أي: حمدت.

وكذلك قوله: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ﴾ [يوسف: 15]: قيل الجواب قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ﴾ [يوسف: 15]، على جعل الواو زائدة. وقيل: الجواب محذوف، أي: أنجيناه وحفظناه.

وقوله: ﴿ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا﴾ [هود: 74]، قيل: الجواب ﴿وَجَاءتْهُ﴾ على زيادة الواو. وقيل: الجواب محذوف، أي: أخذ يجادلنا. وقيل: ﴿يُجَادِلُنَا﴾ مؤوّل بـ«ـجادلنا».

وكذلك قوله: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: 103]، أي: أجزل له الثواب وتلّه.

وأما قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: 24]، فما تقدم من قوله: ﴿وَجَعَلْنَا﴾ يسدّ مسدّ الجواب، لا أنه الجواب؛ لأن الجواب لا يقدّم عليها.

وكذا قوله: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف: 59]، فما تقدّم من قوله ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾، يسدّ مسدّ الجواب، لا أنّه الجواب، لأن الجواب لا تقدم عليها.

وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر: 42]؛ فإنما وقع جوابها بالنفي؛ لأن التقدير: فلما جاءهم نذير زادهم نفوراً، أو ازداد نفورهم.

تنبيه: يختلف المعنى بين تجرّدها من «أن» ودخولها عليها؛ وذلك أنّ من شأنها أن تدلّ على أن الفعل الذي هو ناصبها قد تعلّق بعقب الفعل الذي هو خافضته من غير مهلة؛ وإذا انفتحت «أن» بعدها أكدت هذا المعنى وشددته، ذكره الزمخشريّ في كاشفه القديم قال: ونراه مبنيّاً في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾ [الزخرف: 35] الآية، كأنه قال: لما أبصرهم لحقته المساءة، وضيق الذرع في بديهة الأمر وغرته.

* * *

الوجه الثالث: حرف استثناء، كقوله تعالى: ﴿إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق: 4]، على قراءة تشديد الميم. وقوله: ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: 35].

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات النحوية في القرآن: راجي الأسمر.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم