لولا
 
 

مركّبة عند سيبويه من «لو» و«لا» حكاه الصّفّار. والصحيح أنها بسيطة.

ومن التركيب ما يغيّر، ومنه ما لا يغيّر، فممّا لا يغيّر «لولا». وممّا يتغيّر بالتركيب «حبّذا» صارت للمدح والثناء، وانفصل «ذا» عن أن يكون مثنى أو مجموعاً أو مؤنثاً، وصار بلفظ واحد لهذه الأشياء؛ وكذلك «هلّا» زال عنها الاستفهام جملة.

ثم هي على أربعة اضرب:

الأول: حرف امتناع لوجوب، وبعضهم يقول: لوجود بالدال.

قيل: ويلزم على عبارة سيبويه في «لو» أن تقول حرف لما سيقع، لانتفاء ما قبله.

وقال صاحب «رصف المباني»: الصحيح أن تفسيرها بحسب الجمل التي تدخل عليها؛ فإن الجملتان بعدها موجبتين، فهي حرف امتناع لوجوب؛ نحو: «لولا زيد لأحسنت إليك» فالإحسان امتنع لوجود زيد، وإن كانتا منفيتيْن، فحرف وجود لامتناع، نحو: «لولا عُدْم زيد لأحسنت إليك». انتهى.

ويلزم في خبرها الحذف، ويستغنى بجوابها عن الخبر. والأكثر في جوابها المثبت اللام، نحو: ﴿لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: 31]، ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ143/37لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143 – 144].

وقد يحذف للعلم به، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 10].

وقد قيل في قوله تعالى: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: 24]، لهمّ بها، لكنه امتنع همّه بها لوجود رؤية برهان ربه، فلم يحصل منه همّ ألبتّة، كقولك: «لو لا زيد لأكرمتك»؛ المعنى أنّ الإكرام ممتنع لوجود زيد؛ وبه يتخلّص من الإشكال الذي يورد: وهو كيف يليق به الهم!

وأما جوابها إذا كان منفياً فجاء القرآن بالحذف، نحو: ﴿مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور: 21].

وهو يردّ قول ابن عصفور أنّ المنفيّ بـ«ما» الأحسن باللام.

* * *

الثاني: التحضيض، فتختصّ بالمضارع، نحو: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ﴾ [النمل: 46]، ﴿لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ﴾ [المائدة: 63]، ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [المنافقون: 10].

والتوبيخ والتنديم، فتختص بالماضي، نحو: ﴿لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء﴾ [النور: 13]، ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾ [الأنعام:43].

وفي كلّ من القسمين تختص بالفعل؛ لأنّ التحضيض والتوبيخ لا يردان إلّا على الفعل؛ هذا هو الأصل.

وقد جوّزوا فيها إذا وقع الماضي بعدها أن يكون تحضيضاً أيضاً، وهو حينئذٍ يكون قرينة صارفة للماضي عن المضيّ إلى الاستقبال، فقالوا في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾ [التوبة:122]، يجوز بقاء «نفر» على معناه في المضيّ، فيكون «لو لا» توبيخّاً. ويجوز أن يراد به الاستقبال، فيكون تحضيضاً.

قالوا: وقد تفصل من الفعل بـ«إذْ» و«إذا» معمولين له، وبجملة شرطية معترضة.

فالأول: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم﴾ [النور: 16]، ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾ [الأنعام:43].

والثاني والثالث: نحو: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ83/56وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ84/56وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ85/56فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ 86/56تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة: 83 – 87]، المعنى: فلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم مؤمنين؛ وحالتكم أنّكم شاهدون ذلك، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا، أو بالملائكة، ولكنكم لا تشاهدون ذلك. و«لولا» الثانية تكرار للأولى.

* * *

الثالث: للاستفهام بمعنى «هلْ»، نحو: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [المنافقون: 10]، ﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الأنعام: 8].

قاله الهرويّ: ولم يذكره الجمهور؛ والظاهر أن الأولى للعرض، والثانية مثل: ﴿لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء﴾ [النور: 13].

* * *

الرابع: للنفي بمعنى «لم»، نحو قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ﴾ [يونس:98]، أي: لم تكن.

﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [هود: 112]، أي: فلم يكن. ذكره ابن فارس في كتاب «فقه العربية» والهروي في «الأزهية».

والظاهر أنّ المراد «فهلّا»، ويؤيده أنها في مصحف أبيّ ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ﴾، نعم، يلزم من ذلك الذي ذكراه معنى المضيّ، لأن اقتران التوبيخ بالماضي يشعر بانتفائه.

وقال ابن الشجريّ: هذا يخالف أصحّ الإعرابين؛ لأن المستثنى بعد النفي يقوى فيه البدل، ويجوز فيه النصب، ولم يأت في الآيتين إلّا النصب، أي فدلّ على أن الكلام موجب، وجوابه ما ذكرنا، من أنّ فيه معنى النفي.

وجعل ابن فارس منه: ﴿لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ [الكهف: 15]، المعنى: اتّخذوا من دون الله آلهة ولا يأتون عليه بسلطان.

ونقل ابن برّجان في تفسيره في أواخر سورة هود، عن الخليل، أن جميع ما في القرآن من «لولا» فهي بمعنى «هلّا» إلا قوله في سورة الصافات: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ143/37لَلَبِثَ﴾ [الصافات: 143 – 144]؛ لأن جوابها بخلاف غيرها.

وفيه نظر لما سبق.

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات النحوية في القرآن: راجي الأسمر.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم