الإعجاز في خلق الله تعالى للبعوضةُ
 
 

من آياتِ اللهِ الدالَّةِ على عظمتِه قولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ [ البقرة: 26].

إذا وقفتْ بعوضةٌ على قتلتَها، ولا تشعرْ بشيءٍ، وكأنّ شيئاً لمْ يحدُثْ، لهوانِها عليك، حتى إنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: «لو كانت الدُّنيا تعدلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافراً منها شربةَ ماءٍ».

إنّ في رأس البعوضة مئةَ عينٍ، ولو كُبِّر رأسُ البعوضةِ بالمجهرِ الإلكترونيِّ لرأينا عيونَها المئةَ على شكل خليةِ النحلِ، وفي فمها ثمان وأربعون سنّا، وفي صدر البعوضة ثلاثةُ قلوبٍ، قلبٌ مركزيٌّ، وقلبٌ لكلِّ جناحٍ، وفي كل قلبٍ أُذينان وبطينان ودسّامان.

وهي تملك جهازاً لا تملكُه الطائراتُ الحديثةُ، إنه جهازُ (رادار)، أو مستقبلاتٌ حراريَّةٌ، بمعنى أن البعوضةَ لا ترى الأشياءَ بأشكالِها وألوانِها، بل بحرارتِها، فلو أنّ بعوضةً وُجدتْ في غرفةٍ مظلمةٍ فإنّها ترى فيها الإنسانَ النائمَ، لأن حرارتَه تزيدُ على درجة حرارة أثاث الغرفة، وحساسيةُ هذا الجهاز واحد من لألفِ من درجة الحرارةِ المئويةِ.

والبعوضةُ تملك جهازاً لتحليل الدمِ، فما كلُّ دمٍ يناسبها، فقد ينامُ  طفلانِ على سريرٍ واحدٍ، وفي الصباح تجد جبينَ أحدِهما مليئاً بلسعاتِ البعوضِ، أمّا الثاني فلا تجد أثراً للسعِ البعوض فيه.

والبعوضةُ تملكُ جهازاً للتخذيرِ، فلو غرستْ خرطومَها في جلد النائم لقتلَها، ولكنها تخدِّرُ موضعَ لسْعِها، وحينما يزولُ أثرُ المخدِّرِ يشعرُ النائمُ بألمِ اللسعْ، في حين أنّ البعوضةَ تطيرُ في جوِّ الغرفةِ.

وتملك البعوضةُ جهازاً لتمييع الدمِ الذي تمتصُّه من الإنسانِ، حتى يتيسَّرَ له المرورُ عبرَ خرطومِها الدقيقِ.

وللبعوضةِ خرطومٌ فيه ستُّ سكاكين، أربعٌ سكاكينَ تُحدِثُ في جلدِ الملدوغ جرحاً مربَّعاً، ولا بد من أن يصلَ الجرحُ إلى وعاءٍ دمويٍّ، والسكِّينتانِ الخامسةُ والسادسةُ تلتقيان لتكوِّنا أنبوباً لامتصاصِ دمِ الملدوغِ.

ويرِفُّ جناحا البعوضةِ عدداً كبيراً من المرَّاتِ في الثانيةِ الواحدة، حيث يصلُ هذا الرفيفُ إلى درجة الطنينِ.

وفي أرجُلِ البعوضةِ مخالبُ إذا أرادتْ أنْ تقفَ على سطحٍ خشنٍ، ولها محاجمُ إذا أرادتْ أن تقفَ على سطحٍ أمْلسَ.

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ .

قال ابن القيم رحمه الله: «قولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾، الآية، وهذا جواُ اعتراضٍ اعترضَ به الكفارُ على القرآنِ، وقالوا: إنَّ الربَّ أعظمُ من أنْ يذكرَ الذبابَ، والعنكبوتَ، ونحوَها من الحيواناتِ الخَسِيسةِ، فلو كان ما جاء به محمَّدٌ كلامَ اللهِ لم يذكرْ فيه الحيوانات الخسيسةَ، فأجابهم اللهُ تعالى بأنْ قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾، فإنَّ ضربَ الأمثالِ بالبعوضةِ فما فوقَها إذا تضمَّنَ تحقيقَ الحقِّ، وإيضاحَه، وإبطالَ الباطلِ وإدْحاضَه كان من أحسنِ الأشياءِ، والحَسَنُ لا يُسْتَحْيَا منهُ».

إنّ البعوضةَ ليست أقلَّ شأناً منَ الحوتِ الأزرقِ الذي يبلغُ وزنُه أكثرَ من مئةٍ وخمسين طناً، ويستهلكُ وليدُه في الرضعة الواحدةِ ثلاثمئة كيلو، حيث تعادلُ ثلاثُ رضعاتٍ من الحليبِ يومياً طنّاً واحداً، وإذا أرادَ الحوتُ أنْ يأكلَ أكلةً متوسطةً يملأُ بها معدتَه يحتاجُ إلى أربعةِ أطنانٍ من السمك، وهذه وجبةٌ ليست دسمةً، وليس خلقُ البعوضةِ بأقلَّ من خلقِ الحوتِ والدليل قوله تعالى: ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾ [الملك: 3]، وقولُه سبحانه: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: 49- 50].

إنّه خلقٌ كامل؛ بدءاً من الفيروساتِ التي لا تُرى إلا بالمجاهرَ الإلكترونيةِ، وهناك مخلوقاتٌ أدقُّ من ذلك، وانتهاءً بالمجراتِ التي تبعدُ عنا مليارات السنوات الضوئية، ذلكم اللهُ ربُّ العالمين، من الذَّرَّةِ إلى المجرة، نظامٌ واحدةٌ، غتقانٌ واحدٌ، صنعَ اللهِ الذي أتقن كلَّ شيءٍ.

* * *   

* أهم المصادر والمراجع:

- آيات الله في الآفاق: د. محمد راتب النابلسي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم