التوافق ُ العَدَدِيُّ في القرآنِ الكريم
 
 

 (البَرُّ والبحرُ)

 

في القرآن الكريم أنواعٌ من الإعجازِ وألوانٌ، منها الإعجازُ البلاغيُّ، والرياضيُّ، والتشريعيُّ، والإخباريُّ، ومن اللافتِ للنظرِ هنا التوافقُ العدديُّ، ومنه: أن كلمة البَرّ (اليابسة) وردتْ في القرآن ثلاث عشرة مرةً، وأنّ كلمة البحرِ- بلفظِ الإفراد- وردتْ قي القرآن الكريم ثلاثاً وثلاثينَ مرَّة، مع العلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ البحرَ، ولا يعنيه منه شيءٌ، وإذا جمعنا الآياتِ التي وردتْ فيها كلمةُ (البرّ) و(البحر)، كان الناتجُ ستّاً وأربعين آيةً، تكوِّنُ وحدةً هي (البَرّ)، و(البحر)، فإذا قسَّمتَ آيات (البرّ) على هذا المجموعِ كانت النِّسبةُ بالضبطِ هي نسبةَ البرِّ إلى البحرِ على وجهِ الأرض.

إنّ هذه النّسبةَ هي واحدٌ وسبعون بالمئة بحراً، وتسعةٌ وعشرون بالمئة بَرّاً، فإذا قسَّمت ثلاثة عشرَ على ستّة وأربعين يكون الرّقمُ مُساوياً لهذه النِّسبة، فهل هذا الكلامُ كلامُ بشرٍ؟ كيف جاءَ عددُ آياتِ البّرِّ مع عددِ لآياتِ البحرِ، مع نسبةِ آياتِ البَرِّ إلى مجموعِ آياتِ البرِّ والبحرِ، كيف جاءتْ هذه النِّسبةُ مطابقةً لنسبة البَرِّ إلى البحر؟! هذا لونٌ من إحكامِ القرآنِ الكريمِ، واصطلحَ على تسميته الإحكامَ الحِسابيَّ.

لقد ذُكرَ الشّهرُ اثنتي عشرةَ مرّةً بالتمام والكمالِ، هل هذا مصادفةٌ؟ هل هذا كلامُ بشرٍ؟ إنه كلّما مرَّتِ الأيامُ، وكلّما تقدّم العلمُ، وكلّما تقدَّمتِ البحوثُ العلميّةُ يُكتشفُ في القرآنِ الكريمِ أوجهٌ للإعجازِ لم تكن معلومةً من قبلُ.

هذا القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ، وفضلُ كلامِ اللهِ على كلامِ خلقِه كفضلِ اللهِ على خلقِهِ، هذا القرآنُ الكريمُ، هو الكتابُ المقرّرُ، الذي نؤدِّي فيه جميعاً الامتحانَ، فهنيئاً لمن تعلَّمهُ، وهنيئاً لمَن قرَأَه، وهنيئاً لِمَن علَمه، وهنيئاً لمن تعاملَ معه، وهنيئاً لِمَن جعلهُ دستوراً في حياته، وهنيئاً لمن أخذ به، ولمن صدَّقه، ولمن عَمِلَ به، فالقرآنُ غنىً لا فقْر بَعْده، ولا غنىً دونه دونه، وهو شافعٌ مشفّعٌ، وحَبْلُ اللهِ المتينُ.

فَلْنَعُدْ إلى هذا القرآنِ، ولنرجعْ إليه، فهو النَّبْعُ الأوّلُ للإسلامِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]، وقال سبحانه: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38].

إنّ ألوانَ الإعجازِ لا تعدّ، ولا تُحصى، وهذا بعضٌ من إعجاز القرآن الكريمِ.

* * * 

* أهم المصادر والمراجع:

- آيات الله في الآفاق: د. محمد راتب النابلسي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم