فضل حِفْظ القرآن الكريم وحَمَلته
 
 

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]

للذِّكْر: للتذكر والحِفْظِ والفهم، فهل من مُدَّكر..؟ أي: مُتَذكر قال الأمام القرطبي- رحمه الله تعالى-: أي سهلناه للحِفْظ وأعَنَّا عليه مَنْ أراد حِفْظَه، فهل من طالبٍ لحِفْظ القرآن فُيعانَ عليه...؟

وقال الله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49].

لله ما أروعَ هذه الآية التي تبيِّن عِظَمَ شأن الصُّدور التي تحفظ كلام الله عز وجل، وتَصِفُ أصحابها بأنهم هم الذي أوتوا العلم، وتَصِفُ أصحابها بأنهم هم الذي أوتوا العلم، وهل بعد كتاب الله تعالى من علم...؟ ويبين الله تعالى لنا من خلالها أنه اختار من عباده فئةً جعل صدورهم أوعيةً لكلامه، إن هذا لهو الفضْلُ المبين.

بل لو تأمَّلَ الناس هذه القضية- قضيةَ اختصاص هذه الأمة بأن جَعَلَ الله صدورَ علمائها سبباً في حِفْظ آيات الله البينات- لَعَلِموا قيمةَ حفَّاظ كتاب الله تعالى.

والأعجب من هذا أن بعض هذه الصدور أعجمية لا تنطق العربية، ولكن ألسنتهم بالقرآن فصيحة، كما شاهدنا ذلك كثيراً.

مكانة حِفْظ القرآن الكريم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أ- ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفاضل بين أصحابه في حِفْظ القرآن، فكان إذا بعثاً يقول: «لِيؤمَّكم أكثركم قرآناً...» وإذا اجتمع شهداءُ الصحابة قَدَّمَ أكثرَهم قرآناً للَّحد في القبر أولاً ويباشره بنفسه، بل كان يجعلُ مَهْرَ المرأة ما يحفظه الرجلُ من القرآن.

وكان يعقد الرَّاية في معركة لأكثرهم حِفْظاً للقرآن لِميزتهم على غيرهم.

ب- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حَسَدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتابَ فهو يقومُ به آناءَ اللَّيل وآناءَ النهار، ورجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدقُ به آناءَ الليل وآناءَ النهار».

ج- وعن عبد الله بن عمرو ب العاص- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يُقال لصاحب القرآن: إقرأْ وارتَقِ ورتِّلْ كما كنتَ تُرتِّل في الدنيا فإنَّ منزلتَك عند آخر آية تقرؤها».

د- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تَعَلَّمَ القرآن وعلَّمه».

هـ- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنةُ بعشْر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرفٌ، ولام حرفٌ، وميمٌ حرفٌ».

و- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يَتْلُونَ كِتابَ الله، ويتَدارسُونَهُ بينَهم، إلا نزلَتْ عليهم السّكينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرّحمةُ، وحَفَّتْهم الملائكةُ، وذَكَرَهُمُ الله فيمَنْ عنده».

أما سلفنا الصالح رضي الله عنه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلم يكونوا يقدِّمون على القرآن شيئاً ولايَرضَوْنَ لطالب العلم أن يَخْطُوَ في طلب العلوم والحدي إلا بعد أن يحفظ القرآن:

قال الوليد بن مسلم: كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فينا حَدَثاً، قال يا غلام قرأتَ القرآن...؟ فإن قال نعم، قال اقرأ: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾ وإن قال: لا، قال: اذهب تعَلَّم القرآن قبل أن تطلبَ العِلم. والآثار في ذلك كثيرة أكتفي بهذا اليسير منها.

 

  • المصدر:

-          كيف تحفظ القرآن الكريم: د. يحيى الغوثاني.

-          دروس في ترتيل القرآن الكريم: الشيخ عبدالقادر شيخ الزور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم