الواو
 
 

حرف يكون عاملاً وغير عاملاً.

فالعامل قسمان: جار وناصب.

فالجار: واو القسم نحو ﴿وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:23].

وواو «ربّ» على قول كوفيّ. والصحيح أنّ الجر بـ«ربّ» المحذوفة لا بالواو.

والناصب ثنتان: واو «مع»، فتنصب المفعول معه عند قوم، والصحيح أنّه منصوب بما قبل الواو من فعل أو شبهه بواسطة الواو.

والواو التي ينتصب المضارع بعدها في موضعين: في الأجوبة الثمانية، وأن يعطف بها الفعل على المصدر، على قول كوفي.

والصحيح أن الواو فيه عاطفة، والفعل منصوب بـ«أنْ» مضمرة.

ولها قسم آخر عند الكوفيين؛ تسمّى واو الصرف، ومعناها: أن الفعل كان يقضي إعراباً فصرفته الواو عنه إلى النصب كقوله تعالى: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾ [البقرة:30] على قراءة النصب.

* * *

[والواو غير العاملة وهي أقسام]:

الأول: وهو أصلها- العاطفة تشرك في الإعراب والحكم. وهي لمطلق الجمع على الصحيح، ولا تدلّ على أنّ الثاني بعد الأول، بل قد يكون كذلك، وقد يكون قبله وقد يكون معه، فمن الأول: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا1/99وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة:1-2]؛ فإن الإخراج متأخر عن الزلزال؛ وذلك معلوم من قضية الوجود لا من الواو.

ومن الثاني: ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران:43]، والركوع قبل السجود، ولم يُنقل أنّ شرعهم كان مخالفاً لشرعنا في ذلك.

وقوله تعالى مخبراً عن منكري البعث: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ [الجاثية:24]، أي: نحيا ونموت.

وقوله: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ [الحاقة: 7]، والأيام هنا قبل الليالي، إذ لو كانت الليالي قبل الأيام كانت الأيام مساوية لليالي وأقلّ.

قال الصفّار: ولو كان على ظاهره لقال: «سبع ليال وستة أيام»، أو «سبعة أيام»، وأما «ثمانية» فلا يصحّ على جعل الواو للترتيب.

فائدة: قوله تعالى: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ [المدثر:11]، ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ [المزمل:11]، أجاز أبو البقاء كون الواو عاطفة، وهو فاسد؛ لأنّه يلزم فيه أن يكون الله تعالى أمر نبيّه عليه السلام أن يتركه، وكأنّه قال: اتركني واترك منْ خلقت وحيداً، وكذلك: اتركني واترك المكذبين، فتعيّن أن يكون المراد: خلّ بيني وبينهم، وهو واو «مع»، كقولك: «لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها».

* * *

والثاني: واو الاستئناف، وتسمى واو القطع والابتداء؛ وهي التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها في المعنى، ولا مشاركة في الإعراب، ويكون بعدها الجملتان.

فالاسمية، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ [الأنعام:2].

والفعلية، كقوله: ﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ﴾ [الحج:5]، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا65/19وَيَقُولُ الْإِنسَانُ﴾ [مريم:65- 66] والظاهر أنّها الواو العاطفة؛ لكنها تعطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب لمجرد الربط؛ وإنّما سمّيت واو الاستئناف لئلّا يتوهّم أن ما بعدها من المفردات معطوف على ما قبلها.

* * *

الثالث: واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية؛ وهي عندهم مغنية عن ضمير صاحبها، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ﴾ [آل عمران: 154]، وقوله: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ [يوسف:14]، وقوله: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال:5].

وقد يجتمعان نحو: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:22]، ﴿وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ [البقرة:44].

﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة:187].

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة:243].

﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران:98].

﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ﴾ [267].

﴿أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام:93].

﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ [مريم:20].

* * *

الرابع: للإباحة، نحو: «جالس الحسن وابن سيرين»؛ لأنّك أمرت بمجالستها معاً.

قال: وعلى هذا أخذ مالك: قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة:60]الآية.

* * * 

الخامس: واوا الثمانية، والعرب تدخل الواو بعد السبعة إيذاناً بتمام العدد؛ فإنّ السبعة عندهم هي العقد التامّ كالعشرة عندنا، فيأتون بحرف العطف الدالّ على المغيرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتقول: خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، فيزيدون الواو إذا بلغوا الثمانية.

حكاه البغويّ عن عبد الله بن جابر عن بكر بن عبدوس، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ [الحاقة:7]

ونقل عن ابن خالويه وغيره بقوله تعالى: ﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف:22] بعد ما ذكر العدد مرتين بغير واو.

وقوله تعالى في صفة الجنة: ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر:71-73]، بغير واو لأنّها سبعة، وفعل ذلك فرقاً بينهما.

وقوله: ﴿وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة:112]، بعد ما ذكر قبلها من الصفات بغير واو.

وقيل: دخلت فيه إعلاماً بأنّ الأمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر في حال أمره بالمعروف، فهما حقيقتان متلازمتان.

وليس قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [التحريم:5] من هذا القبيل، خلافاً لبعضهم؛ لأنّ الواو لو أسقطت منه لاستحال المعنى، لتناقض الصفتين.

ولم يثبت المحقّقون واو الثمانية، وأوّلوا ما سبق على العطف أو واو الحال، وإن دخلت في آية الجنة، لبيان أنّها كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفت في الأول لأنها كانت مغلقة قبل مجيئهم.

وقيل: زيدت في صفة الجنة علامة لزيادة رحمة الله على غضبه وعقوبته.

وزعم بعضهم أنّها لا تأتي في الصفات إلّا إذا تكرّرت النعوت، وليس كذلك، بل يجوز دخولها من غير تكرار، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف:22].

وقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء:48]، وتقول: «جاءني زيد والعالم».

* * * 

السادس: الزيادة للتأكيد، كقوله تعالى: ﴿إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الحجر:3]، بدليل الآية، الأخرى.

قال الزمخشريّ: دخلت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، الدالة على أنّ اتصافه بها أمر ثابت مستقرّ.

ضابطه أن تدخل على صفة للنكرة، نحو «جاءني رجل ومعه ثوب آخر»، وكذا ﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾.

وقال الشيخ جمال الدين بن مالك في باب الاستثناء من شرح «التسهيل، وتابعه الشيخ أثير الدين: إنّ الزمخشريّ تفرّد بهذا القول؛وليس كذلك؛ فقد ذكر الأزهريّ في «الأزهريّة»؛ فقال: وتأتي الواو للتأكيد، نحو: «ما رأيت رجلاً إلّا وعليه ثوب حسن». وفي القرآن منه: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾، وقال: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ﴾ [الشعراء:208]. انتهى.

وأجازه أبو البقاء أيضاً في الآية، وفي قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة:216]، فقال: يجوز أن تكون الجملة في موضع نصب صفة لـ«شيء» وساغ دخول الواو، لمّا كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالاً.

وأجاز أيضّاً في قوله تعالى: ﴿عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ [البقرة:259]، فقال: الجملة في موضع جرّ صفة لـ «قرية».

وأما قوله: ﴿فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ [ص:44]، فقيل: الواو زائدة، ويحتمل أن يكون مجزوماً جواب الأمر، بتقدير: اضرب به ولا تحنث.

ويحتمل أن يكون نهياً. قال ابن فارس: والأول أجود.وكذلك قوله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ﴾ [يوسف: 21]، قيل الواو زائدة. وقيل: ولنعلّمه فعلنا ذلك.

وكذلك: ﴿وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ﴾ [الصافات: 7]، أي: وحفظاً فعلنا ذلك.

وقيل في قوله: ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر:73]: إنّها زائدة للتأكيد، والصحيح أنّها عاطفة، وجواب «إذا» محذوف، أي: سعدوا وأدخلوا.

وقيل: وليعلم فعلنا ذلك، وكذلك، ﴿وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ﴾ [الصافات: 7]، أي: وحفظاً فعلنا ذلك.

وقيل في قوله: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ103/37وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ [103- 104]، أي ناديناه. والصحيح أنّها عاطفة، والتقدير: عرف صبره وناديناه: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام:73].

وقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء:48]، وقوله:﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ﴾ [آل عمران:140]، أي: لنعلم. وقوله: ﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران:91].

وزعم الأخفش أنّ «إذا» من قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ﴾ [الانشقاق:1]، مبتدأ وخبرها «إذا» في قوله: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ [الانشقاق:3]، والواو زائدة، والمعنى أنّ وقت انشقاق السماء هو وقت مدّ الأرض وانشقاقها، واستبعده أبو البقاء؛ لوجهين:

أحدهما: أنّ الخبر محطّ الفائدة، ولا فائدة في إعلامنا بأنّ وقت الانشقاق في وقت المدّ، بل الغرض من الآية عظم المر يوم القيامة.

والثاني: بأنّ زيادة الواو تغلب في القياس والاستعمال.

* * *

وقد تحذف كثيراً من الجمل، كقوله تعالى: ﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ﴾ [التوبة:92]، أي: «وقلت»، والجواب قوله تعالى: ﴿تَوَلَّواْ﴾:

وقوله: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ [الرعد:2]، وفي القول أكثر: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ 23/26قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الشعراء:23- 24] الآية.

وقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ45/56وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: 45- 46].

* * *

 

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات النحوية في القرآن: راجي الأسمر.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم