ذو وذات
 
 

بمعنى صاحب، ومنه قوله تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج:15]،وقوله: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ [الرحمن:48]. ولا يستعمل إلّا مضافاً، ولا يضاف إلى صفة، ولا إلى ضمير.

وإنّما وضعت وُصلة إلى وصف الأشخاص بالأجناس، كما أن «الذي» وضعت وصلة إلى وصل المعارف بالجمل، وسبب ذلك أنّ الوصف إنّما يراد به التوضيح والتخصيص، والأجناس أعمّ من الأشخاص، فلا يُتصوّر تخصيصها لها؛ فإنّك إذا قلت: «مررت برجل علْم، أو مال أو فضل»، ونحوه، لم يعقل ما لم يقصد به المبالغة؛ فإذا قلت: «بذي علْم»، صحْ الوصف، وأفاد التخصيص؛ ولذلك كانت الصفة تابعة للموصوف في إعرابه ومعناه.

وأمّا قراءة ابن مسعود: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:76]، فقيل: «العالم» هنا مصدر، كالصالح والباطل، وكأنّه قال: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:76]؛ فالقراءتان في المعنى سواء.

وقيل: «ذي» زائدة.

وقيل: من إضافة المسمّى إلى الاسم، أي: وفوق كل ذي شخص يسمّى عالماً، أو يقال له عالم عليم.

ولا يضاف إلى ضمير الأشخاص، ولهذا لحّنوا قول بعضهم: «صلّى الله على محمد وذويه».

واختلفوا هل تضاف «ذو» إلى ضمير الأجناس، فمنعه الأكثرون. والظاهر الجواز؛ لأنّ ضمير الجنس هو الجنس في المعنى.

وعن ابن برّيّ أنّها تضاف إلى ما يضاف إليه «صاحب»، لأنّها رديفته؛ وأنّه لا يمتنع إضافتها للضمير إلّا إذا كانت وصلة، وإلّا فلا يمتنع.

وقال المطرّزيّ في «المغْرب»: «ذو» بمعنى «الصاحب» تقتضي شيئين: موصوفاً ومضافاً إليه؛ تقول: «جاءني رجل ذو مال»، بالواو في الرفع، وبالألف في النصب، وبالياء في الجرّ، ومنه: «ذو بطن خارجه»، أي: جنينها، و«ألقت الدجاجة ذا بطنها»، أي: باضت أو سلحت. وتقول للمؤنث: «امرأة ذات مال»، وللبنتين: «ذواتا مال»، وللجماعة: «ذوات مال».

قال: هذا أصل الكلمة، ثم اقتطعوا عنها مقتضاها؛ وأجروها مجرى الأسماء التّامة المستقلّة غير المقتضية لما سواها، فقالوا: «ذات متميّزة»، و«ذات قديمة ومحدثة»، ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة التأنيث، فقالوا: «الصفات الذاتية»، واستعملوها استعمال النفس والشيء.

وعن أبي سعيد- يعني السيرافي- كلّ شيء ذات، وكل ذات شيء.

وحكى صاحب «التكملة» قول العرب: «جعل ما بيننا في ذاته»، وعليه قول أبي تمام [من الطويل]:

[يقولُ فيُسْمعُ ويمْشي فيُسْرعُ]                    ويضربُ في ذات الإله فيوجعُ

قال شيخنا- يعني الزمخشريّ: إن صح هذا، فالكلمة عربية، وقد استمرّ المتكلّمون في استعمالها، وأما قوله: ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود:5]، وقوله: «فلان قليل ذات اليد»، فمن الأول، والمعنى الإقلال، لمصاحبة «اليد». وقولهم: «أصلح الله ذات بينه»، و«ذو اليد أحقّ». انتهى.

وقال السّهيلي: والإضافة لـ«ذي» أشرف من الإضافة «لصاحب»، لأنّ: قولك: «ذو» يضاف إلى التابع، و«صاحب» يضاف إلى المتبوع، تقول: «أبو هريرة صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم»، ولا تقول: «النبيّ صاحب أبي هريرة» إلّا على جهةٍ ما، وأما «ذو» فإنك تقول فيها: «ذو المال»، فتجد الاسم الأول متبوعاً غير تابع، و«لذلك سمّميت أقيال حمير بالأذواء، نحو قولهم: «ذو جدن»، ذو «يزن»، وفي الإسلام أيضاً: «ذو العين» و «ذو الشهادتين»، و«ذو السماكين»، و«ذو اليدين»؛ هذا كلّه تفخيم للشيء»، وليس ذلك في لفظة «صاحب».

وبني على هذا الفرق أنّه سبحانه قال في سورة الأنبياء: ﴿وَذَا النُّونِ﴾ [الأنبياء:87]، فأضافه إلى «النون» وهو الحوت، وقال في سورة القلم: ﴿وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم:48]، وقال: والمعنى واحد، لكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالتين، وتنزبل الكلام في الموضعين، فإنّه ذكر في موضع الثناء عليه ذو النون، ولم يقل صاحب النون، لأنّ الإضافة بـ«ذي «أشرف من «صاحب»، ولفظ النون أشرف من الحوت، لوجود هذا الاسم في حروف الهجاء أوائل السور، وليس في اللفظ الآخر ما يشرفه لذلك. فالتفتْ إلى تنزيل الكلام في الآيتين يلحْ لك ما أشرنا إليه في هذا الغرض؛ فإن التدبّر لإعجاز القرآن واجب ومفترض.       

وقوله تعالى: ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1]، أي: الحال بينكم، وأزيلوا المشاجرة. وتكون للإرادة والنية، كقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران:154]، أي: السرائر.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- معجم الأدوات: راجي الأسمر.

- وانظر: لسان العرب: الإمام ابن منظور.

- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.

- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.

- وانظر: معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم: إسماعيل عمايرة وعبدالحميد السيد

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم