قصة حمار العُزيْر
 
 
إن عزيراً كان عبداً صالحاً حكيماً خرج ذات يوم إلى قرية، فلما قامت الظهيرة وأصابه الحر أتى إلى خربة و حين دخل الخربة نزل عن حماره وكان معه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزاً يابساً معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله، ثم استلقى على ظهره وأسند رجليه إلى الحائط, فنظر إلى سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظاماً بالية فقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجباً فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام. فلما أتت عليه مائة عام، بعث الله إلى عزير ملكاً فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى. ثم ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فيه الروح كل ذلك وهو يرى ويعقل، فاستوى جالساً فقال له الملك كم لبثت؟ قال عزير: لبثت يوماً أو بعض يوم، وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهيرة وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب ولكن بعد مائة عام. فقال له الملك: بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الخبز اليابس لم يتغير, فذلك معنى قوله : {لَمْ يَتَسَنَّهْ}أي: لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير شيء منه. فكأنه أنكر في قلبه فقال له الملك:انظر إلى حمارك. فنظر إلى حماره وقد بليت عظامه وصارت نخرة. فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبت فوق بعضها, وعزير ينظر إليه ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعاً رأسه وأذنيه إلى السماء وذلك كله بأمر من الله وتدبيره. فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس ، فانطلق حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة، فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير قالت: نعم هذا منزل عزير. فبكت وقالت: ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيراً وقد نسيه الناس. قال إني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني. قالت: سبحان الله! فإن عزيراً قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير قالت: فإن عزيراً رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادعوا الله أن يرد عليّ بصري حتى أراك فإن كنت عزيراً عرفتك. قال: فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها وقال: قومي بإذن الله. فأطلق الله رجليها، فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير. وانطلقت إلى بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم، فنادتهم فقالت: هذا عزير قد جاءكم. فكذبوها، فقالت: أنا فلانة دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه. قال: فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه: كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه. فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير. فقالت بنو إسرائيل لعزير: إنه لم يكن فينا أحد قد حفظ التوراة وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء ، فاكتبها لنا وكان, والد عزير قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير، فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان الورق قد عفن . وجلس عزير في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله ونزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه. فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل فمن بعد ذلك أصبحت بنو اسرائيل تقول: إن عزيراً هو ابن الله. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. والمشهور أن عزيراً من أنبياء بني إسرائيل وأنه كان فيما بين داود وسليمان، وأنه لما لم يبق في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل.
 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم